Uncategorized

ابراهيم بيه يكتب ….الميراوي بين الشعارات والقرارات: حين يُكذّب الفعل القول…

أزمة ثقة عميقة بين المواطن والسياسي؛ من وزير سابق إلى مهاجر؛ عبد اللطيف الميراوي بين الأمس واليوم. في مشهد يختزل بمرارة الهوة المتزايدة بين الخطاب السياسي والواقع المعاش، طوى عبد اللطيف الميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار السابق، صفحة المسؤولية الحكومية ليعود إلى نقطة البداية: مدرجات الجامعة. لكن هذه العودة لم تكن إلى إحدى الجامعات المغربية التي كان مسؤولاً عن تدبير شؤونها، بل إلى جامعة التكنولوجيا ببلفور-مونبليار (UTBM) في فرنسا، حيث استأنف مساره الأكاديمي أستاذاً. هذا القرار، الذي قد يبدو شخصياً في ظاهره، تحول في نظر الرأي العام إلى رمز صارخ لأزمة الثقة العميقة التي تفصل المواطن عن النخبة السياسية في المغرب.الأمس: وزير في قلب العاصفة، لا يمكن قراءة قرار الميراوي اليوم بمعزل عن إرث الأمس القريب. فخلال توليه حقيبة التعليم العالي، ارتبط اسمه بواحدة من أشد الأزمات التي عرفها قطاع التعليم العالي في المغرب: الإضراب المفتوح لطلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان. بدأت الأزمة في ديسمبر 2022، حين أصرت الوزارة على تطبيق قرار تقليص سنوات التكوين الطبي من سبع إلى ست سنوات، وهو ما اعتبره الطلبة مساساً خطيراً بجودة تكوينهم ومستقبلهم المهني.بررت الوزارة آنذاك قرارها بضرورة تسريع تخريج الأطباء لمواجهة الخصاص الحاد الذي تعانيه المنظومة الصحية الوطنية، خاصة في سياق تعميم ورش الحماية الاجتماعية. لكن هذا التبرير لم يقنع الطلبة الذين دخلوا في مقاطعة شاملة للدروس والامتحانات استمرت لأشهر طويلة، مهددة بموسم دراسي أبيض ألقى بظلاله على مستقبل آلاف الأسر المغربية.في تلك الفترة، بدا الوزير الميراوي مصراً على فرض رؤيته، مدافعاً عن سياسات تهدف إلى “تثمين الكفاءات الوطنية” والحد من “نزيف الأدمغة”. كانت تصريحاته تركز على ضرورة بقاء الأطباء في المغرب لخدمة وطنهم، في وقت كانت الأرقام الرسمية وغير الرسمية تدق ناقوس الخطر:•خصاص مهول: تقدر الحاجة بأكثر من 32 ألف طبيب و65 ألف ممرض لتحقيق معايير منظمة الصحة العالمية.•هجرة مستمرة: تشير التقديرات إلى أن ما بين 600 و700 طبيب يغادرون المغرب سنوياً، وأن ما يقارب ثلث الأطباء الذين كوّنهم المغرب يمارسون المهنة حالياً في الخارج.كان الميراوي، بصفته الوزارية، في موقع من يُنتظر منه تقديم حلول لهذه المعضلة الوطنية. لكن الأيام أثبتت أن الحلول التي اقترحها لم تكن كافية لإنهاء الأزمة، التي لم تنفرج إلا بعد رحيله عن الوزارة.اليوم: مهاجر أكاديمي يثير الجدل. بمجرد مغادرته المنصب الحكومي، اتخذ عبد اللطيف الميراوي قراراً أثار موجة من الانتقادات والتساؤلات. فبدلاً من الانخراط في الشأن الأكاديمي داخل المغرب، والمساهمة بخبرته في تطوير الجامعة المغربية التي كان بالأمس القريب على رأسها، اختار العودة إلى فرنسا.هنا يكمن التناقض الفج الذي لم يتقبله الكثيرون: كيف للمسؤول الذي كان ينادي بضرورة بقاء الكفاءات في الوطن أن يختار لنفسه “الهجرة الأكاديمية”؟ وكيف للوزير الذي أشرف على منظومة جامعية وطنية أن يفضل عليها مؤسسة أجنبية لمواصلة مساره المهني؟إن هذا الاختيار الشخصي تحول إلى رسالة سياسية بليغة، قرأ فيها المواطنون ما يلي:1.انفصام بين القول والفعل: انهيار مصداقية الخطاب السياسي الذي يدعو إلى الوطنية والتضحية، بينما تكشف الممارسات الفردية للمسؤولين عن أولوية المصلحة الشخصية.2.غياب الثقة في المنظومة: إذا كان الوزير السابق لا يرى في الجامعة المغربية فضاءً ملائماً لمواصلة مساره، فما هي الرسالة التي يوجهها للأساتذة والباحثين والطلبة الذين يُطالبون بالصبر على أعطابها؟3.الإفلات من المحاسبة: يغادر المسؤولون مناصبهم بعد اتخاذ قرارات كبرى أثرت على حياة الآلاف، دون أن يخضعوا لأي مساءلة سياسية أو مجتمعية عن نتائج سياساتهم، وكأن الوطن مجرد محطة عابرة في سيرتهم الذاتية.خلاصة :تتجاوز قصة عبد اللطيف الميراوي حدود كونه قراراً فردياً، لتصبح مرآة تعكس أزمة أعمق. إنها أزمة ثقة في الخطاب، وفي السياسات، وفي المستقبل الذي تعد به النخب السياسية. فحين يختار صانع القرار الأمس الهجرة اليوم، يصبح من الصعب إقناع المواطن العادي بالبقاء والثقة في وعود الإصلاح. إنها حكاية بلد تُستنزف كفاءاته مرتين: مرة بهجرة شبابه الباحث عن فرص أفضل، ومرة أخرى بهجرة مسؤوليه السابقين الباحثين عن مسارات شخصية أكثر راحة، ليبقى المواطن وحده في مواجهة نتائج سياساتهم وتجاربهم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مثال في الصميم وما اكثرهم ؛ ولهذا نجد المواطن المغربي فقد الثقة في النخب السياسية وهذا مثال حي على ازدواجية بعض السياسين في المغرب ان لم يكن أغلبهم إلا قلة قليلة منهم يضلون يناضلوا من أجل وطنهم ومبادءهم…. تحياتي على إثارة هذا الموضوع في ه ذءع الآونة

اترك رداً على ابراهيمي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى