وجهات نظر

الشارع الذي تاه بيننا… وطن مزدحم بالغربة

يوسف المنصوري : يكتب

لم تعد الأزقة كما كانت، ولم تعد الأرصفة تحكي حكاياتنا نحن، سكان المكان، بل صار الشارع المغربي مساحةً مشاعة، لا تعترف بحدود الهُوية ولا بخريطة الانتماء.

يبدو أن الوطن لم يعد مكانًا نسكنه، بل فكرة نتقاسمها مع المارين، والضائعين، والطامحين إلى عبور لا ينتهي.

في السنوات الأخيرة، تسارعت وتيرة الهجرة غير النظامية من دول إفريقيا جنوب الصحراء نحو المغرب، وأصبح الحديث عن “الاستقرار المؤقت” يتحول تدريجيًا إلى واقع دائم.

وحسب المندوبية السامية للتخطيط، فعدد المهاجرين المقيمين في المغرب تجاوز 90 ألفًا سنة 2023، أكثر من نصفهم بدون أوراق، يعيشون في هوامش المدن أو في أوضاع لا إنسانية، دون إطار قانوني أو دعم مؤسساتي فعّال.

لن نُجمّل الصورة، فالحقيقة أن بعض الأحياء الشعبية تحولت إلى فضاءات فوضوية، حيث تتراكم أعطاب الهشاشة، والبطالة، والفراغ، وتذوب مع مشاكل الهجرة في خلطة اجتماعية غير متوازنة.

الأسواق العشوائية تنتشر، الخربات تُحتل، الحدائق تُستغل، والشوارع تزدحم بجنسيات ولهجات مختلفة، دون أن تسأل السلطات نفسها: هل البلد قادر على احتضان هذا الكم من الأجساد والأحلام؟

ليس العيب في “الآخر” الذي عبر الصحارى وركب الأمواج هربًا من الحروب، بل فينا نحن، في دولة غائبة عن التخطيط، حاضرة فقط في البلاغات الرسمية والشعارات الأممية.

لسنا في حاجة إلى تسوية أوراق بلا تسوية واقع.

نحن في حاجة إلى سياسة هجرة واقعية، متدرجة، تنطلق من أولوية الكرامة المغربية أولًا، ومن عدالة مجالية تمنع الهجرة الداخلية قبل الخارجية.

اليوم، يتقاسم المغربي والوافد نفس الفقر، نفس العطالة، نفس الضياع.

 

 

لكن، المغربي يشعر أن “أرضه تُسرق منه بالتدريج”، وأنه غريب في الزقاق الذي كبر فيه.

في المقابل، يشعر المهاجر أنه محاصر بالنظرات، وأنه عالق بين حلم لم يتحقق وواقع يرفضه.

من يتحمل المسؤولية؟

لا المجتمع فقط، ولا الأمن فقط، بل السياسة… حين تنسى التخطيط وتُسلّم الشارع للصدف.

حين تُهمل دور الجماعات، وتهرب الأحزاب من الحوار، ويتحوّل المجتمع المدني إلى مهرجان صور.

المطلوب اليوم ليس طردًا، بل تنظيمًا. ليس عداء، بل اعترافًا بالمشكل.

نحن نحتاج إلى صوت يعلو ويقول: كفى!

كفى من العبث بالمجال العام،

كفى من تحويل المغرب إلى “مخيم دائم” بمباركة المؤسسات الدولية،كفى من دفن الرؤوس في رمال “الإنسانية المستوردة”،بينما مواطنونا يموتون داخل الطوابير.

في النهاية، الوطن ليس فقط شجرة وراية، بل قدرة على حماية تفاصيله من التبخر…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى