نفي المسؤولية وتناقض التصريحات..جلسة تكشف خيوطاً دقيقة في ملف مبديع

استأنفت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، اليوم الخميس، النظر في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل والمتابعة عن كثب من الرأي العام المغربي، والمتعلقة بالفساد المالي وسوء تدبير الصفقات العمومية بجماعة الفقيه بن صالح، التي كان يرأسها الوزير السابق محمد مبديع.
في هذه الجلسة، مثل المتهم (رشيد.م)، الموظف الجماعي المعتقل احتياطياً، أمام القاضي علي الطرشي، نافياً بشكل قاطع مشاركته في اختلاس المال العام، ومعتبراً أن المهام التي كان يضطلع بها لا تتجاوز الجانب الإداري دون أي تدخل في جوهر الصفقات العمومية أو قرارات الإقصاء.
بين الإنكار والوقائع
أصر المتهم، خلال الاستماع إليه، على كونه مجرد موظف مكلف بإجراءات شكلية، كإعلان طلبات العروض وإرسال الاستدعاءات، مشيراً إلى أن لجنة فتح الأظرفة محددة قانوناً ولا يملك أي سلطة على قراراتها. وأبرز نسخة من قرار لوزارة الداخلية يؤكد الطابع المحدود لاختصاصاته.
لكن روايته سرعان ما ووجهت بتقارير تقنية وقانونية، من أبرزها تقرير المفتشية العامة للإدارة الترابية، الذي أشار إلى خروقات محتملة في صفقة تحمل رقم (2/2015)، شملت إقصاء غير مبرر لتحالف شركتين، وهو ما يضع علامات استفهام حول حياد ومشروعية المسطرة.
شهادات متعارضة وشبهات ترجيح كفة منافسين
في تطور لافت، فجر أحد الشهود (صالح.م) معطى جديداً، حين صرح أن (رشيد.م) هو من صاغ محضر الجلسة وأقنع اللجنة بمحتواه. غير أن المتهم رفض هذه الرواية، مشدداً على أن الجلسات كانت علنية ومضبوطة قانونياً، ولا يمكن لأي فرد أن يحرّف مجرياتها.
من جهة أخرى، أدلى ممثل شركة “نوفيك” أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بتصريحات أكد فيها أن الشركة لم تتلقَّ أي إشعار بالإقصاء رغم تقديمها شهادة اعتماد مطابقة، ما يطرح تساؤلات عن شفافية المسطرة.
المفاجأة التي أربكت الموقف الدفاعي للمتهم جاءت عندما اعترف، رغم نفيه السابق، بأنه شارك في تنقيط الشركات المتنافسة، وهو ما يتعارض مع موقفه من كونه خارج لجنة التقييم، وأثار حفيظة المحكمة التي تساءلت عن الأسباب الحقيقية لمنح نقاط أعلى لشركة على حساب أخرى رغم تكافؤ المعايير.
رفض تأجيل الجلسة.. وصرامة قضائية واضحة
هيئة الدفاع كانت قد طلبت تأجيل الجلسة بحكم تزامنها مع مؤتمر المحامين في طنجة، غير أن المحكمة رفضت ذلك نظراً لحضور محامي المتهمين، ما يعكس تشبث القضاء بسير المسطرة في آجال معقولة وتفادي مناورات التأجيل المتكررة.
في ختام الجلسة، شدد القاضي الطرشي على أن مبدأ المساواة بين المتنافسين في الصفقات العمومية هو حجر الزاوية في كل مسطرة قانونية، وأن أي إخلال به لا يمكن التساهل معه، فيما تمسك المتهم بنفي مسؤوليته المباشرة، مجدداً تأكيده على كونه موظفاً تنفيذياً لا يملك سلطة القرار.