النيجر تعلق الدراسات التقنية لأنبوب الغاز مع الجزائر: تحوّل استراتيجي أم ورقة ضغط دبلوماسية؟

في خطوة فاجأت المتابعين، أعلنت النيجر تعليق الدراسات التقنية المرتبطة بمشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، الرابط بين نيجيريا والجزائر مرورًا بأراضيها. هذه الخطوة، التي لم تُقدَّم بشأنها مبررات رسمية مباشرة، تفتح الباب أمام قراءات متعددة لما يمكن أن يكون تحوُّلًا استراتيجيًا في أولويات النيجر الطاقية، أو مجرد ورقة ضغط دبلوماسية في سياق علاقات إقليمية مأزومة.
بين الجغرافيا والتحالفات
الموقع الجغرافي للنيجر، الذي جعلها لسنوات محورًا لمرور المبادرات الطاقية، بات اليوم يشكل عبئًا سياسيًا وأمنيًا في ظل ما تعرفه المنطقة من تصاعد للاضطرابات المسلحة والانقلابات السياسية. ومع التوتر المتزايد مع الجزائر، خصوصًا عقب حادثة الطائرة المسيّرة وقضية ترحيل المهاجرين، يبدو أن نيامي قررت مراجعة تحالفاتها الطاقية، وربما إعادة تقييم الجدوى السياسية لمشاريع كبرى تتطلب مناخًا من الثقة والاستقرار الإقليميين.
مشروع في مهب الريح
مشروع الأنبوب العابر للصحراء، الذي طُرح منذ أكثر من عقدين، لم يعرف طريقه للتنفيذ فعليًا رغم جاذبيته الاستراتيجية، بسبب تعقيداته السياسية والأمنية. ويبدو أن قرار النيجر بتجميد الدراسات يُقوّض فرصه بشكل أكبر، خاصة في ظل وجود بديل أكثر تنظيمًا واستقرارًا تمثله المبادرة المغربية–النيجيرية، التي تنطلق من منظور تعاون ساحلي أطلسي، وتستند إلى تحالفات موسعة مع 13 دولة إفريقية، إضافة إلى دعم أوروبي ودولي متزايد.
خيارات نيجيريا ومآلات الغاز الإفريقي
في خضم هذه التحولات، تُطرح أسئلة جوهرية حول الخيارات التي باتت متاحة أمام نيجيريا، القوة الغازية الكبرى في القارة. هل ستستمر في التمسك بالمشروع الجزائري رغم العوائق؟ أم أن الحسم سيكون لصالح الشراكة الأطلسية مع المغرب، التي تبدو حاليًا أكثر جاذبية من حيث الضمانات السياسية والانفتاح على التمويلات الدولية؟
تحوّل أعمق من تعليق فني
في العمق، لا يبدو أن قرار نيامي مجرد “تعليق تقني” كما قد يُفهم من الوهلة الأولى، بل هو إشارة قوية إلى تغير في مقاربة دول الساحل للعلاقات مع الشركاء التقليديين. لقد أصبحت هذه الدول أكثر انتقائية، وتسعى إلى شراكات قائمة على المصالح المتبادلة والاستقرار، لا على خطابات التضامن التاريخي فقط.
ومع أن مستقبل المشروع العابر للصحراء لم يُحسم بعد، فإن الرسالة واضحة: خريطة الطاقة في إفريقيا لم تعد تُرسم فقط بالأنابيب، بل تُرسم بالمواقف السياسية والتحالفات المتجددة.