وجهات نظر

حين يزأر الأشبال في الشيلي وتتكلم الدبلوماسية بلغة الشباب كقوة ناعمة.

بقلم بودرهم يوسف.

 

لأول مرة شعرت أن المنتخب الوطني يلعب بالروح نفسها التي أتنفّس بها كرة القدم فوق المستطيل الأخضر، لم تكن فقط تسعون دقيقة من الركض وراء الكرة، بل تسعون نبضة في قلب كل مغربي داخل وخارج الوطن.

نعم، ليلة الأمس، شُفيت جراحُ الانتظار، حين برهن الأشبال عن علُوّ كعبهم، وصفاء موهبتهم، وإصرارهم الذي زلزل أرض الشيلي بنبض انتماء جيل جديد، جيل Z، الجيل الذي لا يرضى، ولا يكتفي بالتصفيق كمفعولٍ به، بل يصرخ من أعماق القلب، نحن هنا، وهنا نحن أبناء المغرب.

جيل يرى في كل تمريرة وعدا لأمّة، وفي كل هدف قسما بالانتصار، وفي كل علمٍ مغربي مرفوع وسط المدرجات، هو إلتزام ومسؤولية وانتماء للعراقة.

هناك، في الشيلي، لم نكن نلعب فقط، بل كنا نكتب بالعَرق والفخر فصلا ملحميًّا جديدًا عنوانه، نحن الوطن، ونحن من نحوّل الرياضة إلى دبلوماسية، والانتصار إلى رمزية، والحلم إلى حقيقة.

كانت المباراة مرآةً لجيلٍ لا يقبل أن يكون متفرّجًا على التاريخ، لكونه يؤمن أنه يكتب التاريخ، جيلٍ يؤمن أن المجد لا يُورَّث، بل يُنتزع، وأن رفع الراية الحمراء ليس مجرّد إيماءة وحركة، بل نبضُ قلبٍ يفيض بالعزّة والإصرار.

جيلٌ يواصل بناء صورة الوطن الدولية، كقوّةٍ إقليميّةٍ صاعدة، تُدمج الرياضة بالدبلوماسية، والسياسة بالتنمية البشرية، والانتصار بالشرعية.

👑 الشباب في قلب الملكية رؤية سامية شاملة

في الوقت ذاته الذي كان فيه أشبال الأطلس يرفعون راية الوطن في الشيلي، ترأس الملك محمد السادس مجلسًا وزاريًا خُصص فيه حيز مهم لقضايا الشباب، ولمسارهم السياسي والانتخابي.

 

الحدثان، على بُعد آلاف الكيلومترات، يبدوان كجزءٍ من مشهد واحد متكامل، يرسم فيه الملك نصره الله الأفق والمستقبل، والشباب يجسدون هذا الطموح على أرض الواقع.

إنها رسالة واضحة من المؤسسة الملكية للعالم وللمغاربة على حد سواء، الجيل الجديد ليس موضوعًا للنقاش،لأنه فاعل في القرار.

فالدولة تراهن اليوم على الطاقات الشابة لتكون محركًا للتحول السياسي والاقتصادي والثقافي، لا مجرد مستقبل تنتظره.

🌍 دبلوماسية الرموز

حضور وزير الخارجية ناصر بوريطة للنهائي بين المغرب والأرجنتين لم يكن تفصيلاً بروتوكوليًا، فحين يحضر رأس الدبلوماسية المغربية إلى جانب اللاعبين الصغار، فالمشهد يتحول إلى رمز سياسي عميق، من خلاله نؤكد أن المغرب يوحد السياسة والرياضة في إطار وطني واحد، حيث التمثيل الخارجي ليس حكرًا على الدبلوماسيين فقط، بل تمتد إلى كل من يحمل قميص الوطن وهمه في قلبه.

لكن الرمزية تتجاوز ذلك، في الوقت الذي تحاول الجزائر إيجاد قنوات وساطة لإعادة بناء العلاقات مع الرباط، يظهر المغرب متماسكًا، متآلفًا بين القيادة والشعب، بين القرار والميدان، بين السياسة والرياضة و…، وكأن الرسالة تقزل، من أراد فهم قوة المغرب الجديدة، فلينظر إلى تناغم مؤسساته وشبابه وطموحات ملكه.

🧭 قوة ناعمة تتكامل مع الحضور الاستراتيجي.

هذا التوازي بين الانتصار الرياضي والمبادرات السياسية يعكس استراتيجية مغربية عميقة في بناء القوة الناعمة، فالمغرب لا يسعى فقط إلى الحضور على طاولة الدبلوماسية الإقليمية، بل إلى بناء سردية وطنية حديثة، جذّابة، قادرة على إقناع العالم بأن الاستقرار ليس ناتجًا عن الجمود، بل عن التجدد المستمر بشكل مؤسساتي رصين.

نافلة القول، من الشيلي حيث زأر الأشبال، إلى الرباط حيث انعقد المجلس الوزاري، يظل الخيط الناظم واحد، فالمغرب يتحرك برؤية موحدة تعطي للشباب مكانتهم، وللرياضة معناها، وللدبلوماسية عمقها الإنساني والسيادي في آن واحد، حيث يبرهن المغرب في عمق كل هذا، أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بالنتائج وحدها، بل بالقدرة على تحويل كل تحدي مهما كان، إلى إنطلاقة سياسية وحضارية في كنف الملكية 🇲🇦.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى