قوافل طبية مشروطة بالتغطية الصحية… بين العمل الإنساني واستنزاف صناديق الضمان

حدث بريس : ابو ايوب
في الآونة الأخيرة، شهدت عدة مناطق تنظيم قوافل طبية وجراحية تقدم عمليات مجانية للمواطنين، لكنها تشترط أحيانًا على المستفيدين التوفر على التغطية الصحية الإجبارية (AMO) أو الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS). هذا الشرط أثار نقاشًا حول أهداف هذه الحملات، وطبيعة علاقتها بالمنظومة الصحية الوطنية، دون تجاهل المجهود الإنساني الكبير الذي يبذله الأطباء المتطوعون.
مبادرة إنسانية بمساهمة الأطباء المتطوعين
تظل القوافل الطبية فرصة حقيقية لتقريب الخدمات الصحية من المواطنين، خصوصًا في المناطق النائية. ويشارك في هذه الحملات عدد كبير من الأطباء والمتخصصين بشكل تطوعي، مقدمين خبراتهم ومهاراتهم دون مقابل، وهو جانب إنساني مهني يستحق التقدير والاعتراف.
لكن، اشتراط توفر المستفيد على AMO أو CNSS يطرح تساؤلات حول التوازن بين الجانب الإنساني والجانب المالي للقوافل، إذ تُعوض المؤسسات والمنظمون عبر الصناديق الاجتماعية مقابل العمليات، ما يجعل المواطن أحيانًا مجرد حلقة في سلسلة مالية.
ثغرات في المتابعة الطبية بعد العمليات
من أبرز التحديات المرتبطة بالقوافل الطبية غياب المتابعة بعد العمليات. فبعد انتهاء الحملة، يغادر الفريق الطبي المكان، تاركًا المرضى دون تقييم مستمر، وهو ما يمكن أن يؤثر على نجاح الرعاية الصحية على المدى الطويل. ويؤكد خبراء أن جودة العملية تُقاس بمدى توفر “الخدمة ما بعد العملية” (Service après-vente)، أي متابعة وتعافي صحي مستدام.
تخصصات حساسة تحت المجهر
تثير بعض التخصصات الطبية، مثل قسطرة القلب وتركيب الدعامات (Stents)، قلقًا حول الإفراط في التدخلات التي قد لا تكون ضرورية طبيًا، في حين تُدرّ على المؤسسات تعويضات مهمة من CNSS وAMO. ينصح الخبراء المرضى بطلب فحص ثانٍ أو رأي مضاد قبل الخضوع لأي عملية، خصوصًا إذا لم تكن لديهم أعراض واضحة.
إطار قانوني ومسؤولية المراقبة
تتنوع الجهات المنظمة لهذه القوافل بين جمعيات، مصحات خاصة، ومبادرات مستقلة، مما يجعل تحديد المسؤولية القانونية والمراقبة أمرًا معقدًا. يطالب المتابعون اليوم بوضع إطار قانوني واضح ينظم هذه الحملات، يضمن الشفافية المالية والطبية، ويلزم المنظمين بتقديم تقارير دقيقة بعد كل حملة.
الخلاصة: تنظيم القوافل للحفاظ على المصداقية
القوافل الطبية تملأ فراغًا حقيقيًا في المنظومة الصحية الوطنية، وتبرز روح التضحية والتطوع الكبيرة لدى الأطباء. التحدي يكمن في ضمان نزاهة الهدف الإنساني، وتفادي أي استغلال مالي للتغطية الصحية أو صناديق CNSS وAMO.
الحل الأمثل هو تنظيم ومراقبة هذه المبادرات، لا منعها، لضمان استفادة المواطنين وحماية المال العام وصحة الجميع.