سياسةمجتمع

الخطاب الملكي أمام البرلمان: دعوة إلى تعبئة شاملة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة

ابراهيم ادريسي

 

في افتتاح السنة التشريعية الأخيرة من الولاية الحالية لمجلس النواب، وجّه جلالة الملك محمد السادس حفظه الله خطاباً شاملاً وضع من خلاله خريطة طريق واضحة للمرحلة المقبلة، داعياً مختلف الفاعلين المؤسساتيين والسياسيين إلى التحلي بروح المسؤولية والتعبئة الجماعية لاستكمال المشاريع التنموية والإصلاحات المهيكلة.

تناغم بين المشاريع الكبرى والبرامج الاجتماعية

أكد العاهل المغربي على ضرورة تجاوز أي تناقض أو تنافس بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية، معتبراً أن الغاية المشتركة هي “تنمية البلاد وتحسين ظروف عيش المواطنين، أينما كانوا”.
هذا التأكيد يعكس توجه الدولة نحو مقاربة تكاملية تجمع بين الاستثمار في البنيات التحتية الكبرى وبين السياسات الاجتماعية الموجهة للفئات الهشة، بما يضمن استدامة النمو الاقتصادي وعدالته المجالية.

مسؤولية مشتركة في تأطير المواطنين

الخطاب الملكي شدد على أن مسؤولية تأطير المواطنين والتعريف بالمبادرات العمومية لا تقع على عاتق الحكومة وحدها، بل تشمل البرلمان، والأحزاب السياسية، والمنتخبين، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني.
ويشكل هذا النداء تأكيداً على أهمية إشراك جميع الفاعلين في عملية بناء الوعي الجماعي وتعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات، باعتبارها إحدى ركائز الحكامة الديمقراطية.

العدالة الاجتماعية رهان استراتيجي

اعتبر الملك أن العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست “شعاراً ظرفياً”، بل “توجهاً استراتيجياً” ينبغي أن يحكم مختلف السياسات التنموية.
ويرى مراقبون أن هذا التوجه ينسجم مع المسار الذي تبناه المغرب خلال السنوات الأخيرة، من خلال إطلاق برامج كبرى مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والنموذج التنموي الجديد، والجهوية المتقدمة، والتي تهدف إلى تحقيق توزيع أكثر إنصافاً للثروة والفرص.

تغيير في العقليات واعتماد ثقافة النتائج

في سياق تطوير التنمية الترابية، دعا الخطاب الملكي إلى “تغيير ملموس في العقليات وطرق العمل”، وإلى ترسيخ ثقافة النتائج المبنية على معطيات ميدانية دقيقة واستثمار أمثل للتكنولوجيا الرقمية.
هذه الدعوة تعكس إرادة ملكية في الانتقال من منطق التخطيط التقليدي إلى مقاربة أكثر حداثة تعتمد على التقييم المستمر للأثر الاجتماعي والاقتصادي للمشاريع العمومية.

أولويات التنمية الترابية: من الجبال إلى السواحل

حدد الخطاب الملكي السامي ثلاث أولويات رئيسية يجب التركيز عليها في المرحلة المقبلة:

1. تنمية المناطق الجبلية والواحات من خلال سياسة عمومية مندمجة تراعي خصوصياتها، بالنظر إلى أنها تمثل 30% من التراب الوطني وتزخر بإمكانات غير مستغلة.

2. التنمية المستدامة للسواحل عبر التفعيل الجدي للقانون والمخطط الوطني للساحل، لتحقيق توازن بين الاستغلال الاقتصادي والحفاظ على البيئة.

3. توسيع نطاق المراكز القروية للحد من التوسع الحضري غير المنظم، وتقريب الخدمات من سكان العالم القروي.

 

مقاربة ناجعة للاستثمار العمومي

وفي سياق تعزيز نجاعة السياسات العمومية، نبّه جلالة الملك إلى ضرورة محاربة كل الممارسات التي تُهدر الوقت والموارد، مؤكداً أن المغرب لا يقبل التهاون في مردودية الاستثمار العمومي.
هذا التوجيه يعكس رغبة واضحة في ترسيخ مبادئ الكفاءة والمساءلة داخل منظومة التدبير العمومي، بما يضمن تحقيق أقصى أثر اقتصادي واجتماعي من الموارد المتاحة.

خلاصة

الخطاب الملكي أمام البرلمان حمل رسائل قوية تتجاوز الإطار السياسي إلى رؤية استراتيجية لمغرب متوازن ومتضامن.
فهو دعوة لتكامل الجهود بين المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية والمجتمع المدني، في أفق بناء نموذج تنموي فعّال يحقق العدالة الاجتماعية والمجالية، ويرسخ الثقة في دولة المؤسسات والنتائج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى