
في تحليل تاريخي عميق نشره الدكتور امحمد لشقر على قناته عبر منصة اليوتيوب، يسلط الضوء على ذكرى محورية في تاريخ المغرب الحديث: مئوية رحيل الماريشال هوبير ليوطي (Hubert Lyautey). يؤكد الدكتور لشقر أن يوم 25 سبتمبر 1925 لم يكن مجرد تاريخ إداري، بل هو لحظة أُرغم فيها ليوطي، أول مقيم عام فرنسي بالمغرب، على مغادرة منصبه بعد فشله الذريع في مواجهة المقاومة التي قادها الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي في منطقة الريف، وهو ما كشف عن حدود الاستراتيجية الاستعمارية الفرنسية.
استراتيجية “التهدئة” التي سقطت أمام الريف
يوضح الدكتور لشقر أن ليوطي وصل إلى المغرب عام 1912 مباشرة بعد التوقيع على معاهدة الحماية، معتمداً على استراتيجيته الخاصة في ما أسماه “التهدئة” (Pacification)، التي ارتكزت على سياسة “الجزرة والعصا” وتقنية “بقعة الزيت” (Tache d’huile) للتوسع التدريجي في القبائل.
لكن هذه الاستراتيجية اصطدمت بشكل عنيف مع ثورة الريف. ويؤكد الدكتور امحمد لشقر أن نقطة اللاعودة بدأت تحديداً مع رفض ليوطي في أواخر يناير 1924 العرض الذي قدمه عبد الكريم الخطابي بوقف استفزازات بعض القادة الموالين لفرنسا، وهو الرفض الذي أغلق، حسب تحليل الدكتور لشقر، الباب أمام أي حل دبلوماسي لاحق.
الهزيمة العسكرية ونتائجها السياسية
يشير الدكتور لشقر إلى أن ربيع عام 1925 شهد تحولاً درامياً، حيث شن مقاتلو عبد الكريم هجوماً كاسحاً وصل بهم إلى مسافة 27 كيلومتراً فقط من مدينة فاس. هذا الإخفاق العسكري المدوي، إلى جانب خلافات ليوطي المتزايدة مع الحكومة الفرنسية، أدى إلى سحب سلطاته كقائد للجيوش وإرسال الماريشال فيليب بيتان كمنافس له.
ويستنتج الدكتور امحمد لشقر أن ليوطي استُبدل في النهاية بمقيم عام جديد هو ثيودور ستيغ، ليصبح الماريشال الذي يُنسب إليه الفضل في البناء الكولونيالي للمغرب الحديث “ضحية جانبية” لصلابة المقاومة الريفية وتأثيرها العسكري والسياسي المباشر.
التعلق المعقد بالتراب المغربي
وعلى الرغم من إجباره على المغادرة، يسرد الدكتور لشقر بعض الوقائع التي تكشف عن التعقيد في علاقة ليوطي بالمغرب، مثل زيارة السلطان يوسف ووفد من كبار الأعيان (كالباشا الكلاوي) له في فرنسا للتعبير عن أسفهم لرحيله.
ويشدد الدكتور امحمد لشقر على أن الدليل الأبرز على هذا التعلق هو إصرار ليوطي، الذي توفي عام 1934، على أن يُدفن في المغرب، حيث اختار بنفسه تلّة مطلّة في الرباط بالقرب من موقع ضريح محمد الخامس الحالي. ويختتم الدكتور لشقر بالإشارة إلى أن رفات ليوطي لم تُنقل إلى قصر الإنفاليد في باريس إلا في عام 1961، باتفاق بين الملك الحسن الثاني والجنرال ديغول.
إن الذكرى المئوية لرحيل ليوطي، وفقاً لرؤية الدكتور امحمد لشقر، هي فرصة لإعادة قراءة هذه المرحلة، مع التأكيد على أن المقاومة الوطنية، وتحديداً مقاومة الريف، لعبت الدور الحاسم في صياغة مسار الأحداث وتحديد مصير أبرز رموز الحماية.
ملاحظة: التحليل التاريخي الذي قدمه الدكتور امحمد لشقر في الفيديو المنشور على قناته تحت عنوان: Centenaire du départ de Lyautey du Maroc.
رابط الفيديو: : https://youtu.be/7wpJ_



