ملايين الطيور في دائرة الخطر… والحسون عنوان مأساة صامتة بين المغرب والجزائر.

م. المرابطي
في الوقت الذي تتسابق فيه الدول لرفع شعارات حماية البيئة والتنوع البيولوجي، يكشف تقرير دولي جديد صادر عن تحالف “بردلايف” (BirdLife) و”أوروناتور” (EuroNatur)، بمشاركة خبراء ومؤسسات إقليمية من بينها مجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب (GREPOM/BirdLife Maroc)، أن الواقع في منطقة البحر الأبيض المتوسط وأوروبا ما يزال قاتماً.
فمن أصل 46 دولة التزمت بوقف قتل الطيور وأخذها من البرية بنسبة 50 % بحلول سنة 2030، لم تتمكن سوى 8 دول من السير في الاتجاه الصحيح، بينما تظل أوروبا الجنوبية وشمال إفريقيا من بين أكثر المناطق تضرراً.
صيد غير مشروع يهدد التنوع البيولوجي :
التقرير يضع الأصبع على جرح قديم: الاستغلال المفرط للطيور، سواء بالقتل أو الصيد أو التجارة غير المشروعة، ما يجعله ثاني أكبر مسبب لانقراض الطيور على المستوى العالمي بعد فقدان المواطن الطبيعية. ملايين الطيور تُقتل أو تُحتجز أو تُسمم سنوياً في دول المتوسط، في مشهد يهدد الجهود الدولية لحماية التنوع البيولوجي.
ورغم التزامات الدول في إطار خطة روما الاستراتيجية 2020-2030، إلا أن 38 دولة من أصل 46 لم تلتزم بعدُ بوعودها. التقرير يوضح أن غياب الإرادة السياسية والموارد الكافية، إلى جانب استمرار الأنشطة غير القانونية المدفوعة بالربح السريع، يعيق بلوغ الهدف. ومع ذلك، يقدم مثال إسبانيا كبرهان على أن الإرادة الصادقة قادرة على صنع الفرق.
الحسون… من رمز للجمال إلى رمز للأزمة :
في شمال إفريقيا، يقف طائر الحسون (أو المقنين) كأحد أبرز الضحايا. ورغم أنه مصنف ضمن الفئة “الأقل تهديداً”، إلا أن ضغوط الصيد الجائر والتجارة غير المشروعة جعلت أعداده تتهاوى، خصوصاً في المغرب والجزائر.
المغرب : رغم دخول القانون 29-05 حيز التنفيذ وما رافقه من تحسّن نسبي، لا تزال تجارة الحسون وصيده غير المشروع تنتشر على نطاق واسع، ما يسيء لصورة البلاد دولياً ويهدد رصيدها البيئي.
الجزائر : الوضع أكثر سوءاً، إذ تباع طيور الحسون علناً في الأسواق غير القانونية، وغالباً ما يكون مصدرها المغرب. وهو ما يجعل الأزمة عابرة للحدود ومشتركة المسؤولية.
رسالة مفتوحة إلى هواة الحسون :
ورغم التحذيرات العلمية والتشريعات القانونية، يبقى جزء من الأزمة مرتبطاً بسلوكيات بشرية. وفي هذا السياق، تحمل الرسالة التالية بعداً إنسانياً وأخلاقياً موجّهاً مباشرة إلى هواة تربية الحسون والطيور المغردة و قد يبدو منظر الحسون في قفص وهو يغني مشهداً بديعاً، لكنه يخفي وراءه رحلة طويلة من القسوة والمعاناة: صيد بالمواد اللاصقة والشباك، سرقة للأعشاش، حشر في أقفاص ضيقة، نفوق في الطريق إلى الأسواق، ومعاناة تستمر حتى الموت المبكر داخل الأقفاص ،الحقيقة البسيطة هي أن شراء طيور الحسون من الأسواق يعني تشجيع هذه التجارة غير المشروعة، والمساهمة المباشرة في انقراضه من البرية. إن عشق الطائر لا يمكن أن يقترن بتعذيبه أو دفعه إلى الزوال.
التقرير الدولي الأخير ليس مجرد وثيقة تقنية، بل ناقوس خطر يُدق بشدة: الملايين من الطيور مهددة، والحسون مجرد بداية لقصة فقدان جماعي إذا لم تتدخل الحكومات والمجتمعات والأفراد معاً. فالرسالة واضحة : لا يمكن أن نستمر في قتل من ندعي أننا نحب.
وفي ظل هذا السياق،يجب على الوكالة الوطنية للمياه والغابات ان تبرز جهودها الميدانية المحكمة لمحاربة الاتجار غير المشروع و طائر الحسون. وتشمل هذه الإجراءات عمليات مراقبة وتدخلات مكثّفة بالتنسيق مع الأمن الوطني والدرك الملكي و الجمارك والقوات المسلحة في تعاون داخلي واسع يشمل كذلك الجماعات المحلية، جمعيات القنص، إضافة إلى تنظيم حملات توعية، واستراتيجية متكاملة للردع القانوني وتعبئة المجتمع ضد هذه الظاهرة ،مما تجعل من جهود الوكالة الوطنية للمياه والغابات دليلاً عمليا واضحاً على أن حماية الحسون وغيره من الأنواع المهددة لا تعتمد على القوانين فقط، بل على التطبيق الميداني والتنسيق الفعّال بين مختلف المؤسسات.