Uncategorized

مراهقون على عجلة واحدة .. من الاستعراض إلى الانتحار…

ابراهيم ادريسي

في كل زاوية من زوايا مدننا، وفي كل شارع يكاد لا يخلو من أصوات محركات صاخبة وصرخات الدهشة أو الخوف، تتكرر نفس المشاهد: شباب متهورون على متن دراجات نارية، يقودونها كما لو أنهم في سباق لا نهاية له، يرفعون العجلات، يستعرضون، يتمايلون، دون وعي أو احترام لقانون أو حياة.

لقد تجاوز الأمر حدود “الاستعراض”، ولم يعد هؤلاء مجرد “مراهقين طائشين”، بل باتوا أشبه بانتحاريين متنكرين في هيئة هواة ركوب الدراجات. يقودهم جنون اللحظة، ويقودنا نحن نحو واقع مرير مليء بالحوادث، الأرواح المهدورة، والطرقات التي تحولت إلى مسارح رعب يومي.

الدراجة النارية: أداة حياة لا وسيلة موت

من المهم أن نُميز بين الأداة وسوء استخدامها. فالدراجة النارية ليست عدوة للمجتمع، بل وسيلة تنقل أساسية للكثير من الأسر، خصوصًا من ذوي الدخل المحدود. توفر الوقت، وتقلل من مصاريف التنقل، وتُعد جزءًا من الحياة اليومية للكثير من المواطنين.

لكن عندما تتحول هذه الأداة النافعة إلى وسيلة للتهور والاستعراض الأرعن، تصبح قنبلة موقوتة تجوب شوارعنا، مهددة سلامة الجميع: راكب الدراجة، المارة، والسائقين الآخرين.

من المسؤول؟ الكل.

المشكلة ليست في الدراجة، ولا فقط في الأمن أو الدولة. المسؤولية مشتركة:

الأسرة التي تترك أبناءها دون توجيه أو رقابة.

المجتمع الذي يتفرج بصمت، وربما يُصفق لهذا العبث أحيانًا.

الأفراد الذين يغامرون بحياتهم من أجل لحظة إعجاب أو فيديو على مواقع التواصل.

المدرسة التي لا تؤسس لثقافة احترام الطريق.

والقانون الذي قد يكون صارمًا على الورق، لكنه متراخٍ في التنفيذ.

ما يحدث ليس صدفة. بل نتيجة تراكمات من غياب الوعي، والتطبيع مع الفوضى، والثقافة المغلوطة التي تخلط بين “الرجولة” و”التهور”.

البطولة الحقيقية: أن تعود حيًا

إلى كل شاب يقود دراجته وكأن الموت لا يعنيه:

البطولة ليست في استعراض مهاراتك على طريق عام.

البطولة ليست في إثارة الخوف أو التقاط الأنظار.

البطولة الحقيقية أن تعود سالمًا إلى بيتك، أن تحترم حياة الناس، وأن تحفظ حياتك.

نحن بحاجة إلى حملة وعي مجتمعية حقيقية، تنطلق من البيت والمدرسة والشارع، وتُكرّس ثقافة احترام الطريق، وفهم أن الطرقات ملك للجميع، لا حلبة سباق.

كفى تطبيعًا مع الخطر

على المجتمع أن يرفع صوته، أن لا يُصفق ولا يتواطأ بالصمت. أن يُشعر كل متهور بأنه منبوذ، لا بطل.

وقبل أن نبكي ضحايا جدد، فلنقل كلمة حق:

التغيير يبدأ من وعي الفرد، ومن موقف المجتمع، ومن تطبيق صارم للقانون.

ولا شيء يستحق الموت على عجلتين… لا التصفيق، ولا “الإعجابات” على فيديو، ولا لحظة غرور عابرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى