وجهات نظر

محمد أوراغ يكتب… شاحنة عام 1975… حديد ينبض بوطن لا يساوم على وحدته

من المسيرة الخضراء إلى القرار 2797... مسار وطن ينتصر بثباته

لم تكن تلك الشاحنة، التي أسهمت سنة 1975 في نقل آلاف المتطوعين إلى أقاليمنا الجنوبية، وسيلة نقل عابرة في لحظة تاريخية فحسب، بل كانت جزءا من ذاكرة وطنية متقدة، ورمزا لصوت شعب لبى نداء قائده المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، ليخط بمداد الفخر صفحة من أنبل صفحات التاريخ المعاصر: المسيرة الخضراء المظفرة.

و أنا أصادفها متوقفة في ركن هادئ من ربوع الوطن، لم أر فيها حديدا أكل عليه الزمن وشرب، بل شرارة توقظ الذاكرة بحكايات من صنعوا المجد، من أجداد وآباء وأقارب حملوا لواء الوطنية ببساطة وصدق، وتوارثنا تفاصيل رحلتهم جيلا بعد جيل.

كل موعد يبعث تلك القصص من جديد، بندف الفخر، ودمعات الاعتزاز، وبنبض قلوب آمنت أن الأرض عرض، وأن النداء للوطن لا يؤجل.

مسيرة لم تبن على صليل السلاح، بل على إيمان راسخ بالحق والشرعية، وعلى حب متجذر للأرض والوطن.

من طنجة إلى الكويرة، صدح المغاربة بقسم خالد: الصحراء في مغربها، والمغرب في صحرائه.

فكانت الملحمة إعلانا للعالم بأن وحدة المغرب الترابية ليست شعارا عابرا، بل جوهر هوية الأمة وذاكرة أجيالها.

ومنذ ذلك اليوم المجيد، واصلت المملكة، بقيادة ملوكها الأبرار، ترسيخ هذا المكسب الوطني.

وجاء عهد جلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، ليمنح قضية الصحراء بعدا استراتيجيا جديدا في رؤية تجمع بين الحزم الدبلوماسي والبناء التنموي، عنوانها: الدبلوماسية الرصينة والتنمية الملموسة.

فلم يعد الدفاع عن الصحراء مجرد خطاب وطني، بل أصبح مشاريع كبرى، ومؤسسات حديثة، ونموذجا جهويا متقدما يجعل الإنسان في صلب البناء.

وقد أثمرت هذه الدبلوماسية الملكية المتبصرة رؤية جعلت العالم اليوم يشهد، بالقول والفعل، على مغربية الصحراء: اعترافات متتالية، دعم متصاعد، وشراكات دولية متينة، تؤكد حقيقة جلية أن الموقف المغربي يستند إلى الشرعية التاريخية والقانونية، والسيادة الفعلية على الأرض، فيما تتهاوى أوهام الانفصال التي نسجها خصوم الوحدة، ممن حاولوا بناء كيان وهمي لا وجود له في الجغرافيا ولا في الوجدان.

إن المغرب، وهو يزداد رسوخا في محيطه الإفريقي والدولي، بفضل رؤية جلالة الملك المتبصرة، يواصل تأكيد موقفه العقلاني والحكيم: حل سياسي واقعي يستند إلى مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، باعتبارها الإطار الأنجع لإنهاء هذا النزاع الإقليمي المفتعل.

ويأتي السياق الدولي الجديد حاملا معه تأكيدا قاطعا للوهم، بقرار صادق مبني على الحقيقة الجوهرية في الانتماء إلى هذا الوطن الغالي.

وفي هذا السياق، سيبقى القرار 2797 شاهدا خالدا على انتصار الدبلوماسية المغربية الرشيدة، ومحطة مضيئة في مسار ترسيخ عدالة قضيتنا ووحدة ترابنا، وضامنا لمسار إقليمي يسوده الأمن والاستقرار والازدهار المشترك.

وتبقى تلك الشاحنة العتيقة، التي ما تزال واقفة بكل شموخ، شاهدا ماديا على عهد لا يموت، وإرثا مجيدا نورثه للأجيال: أننا شعب لا يساوم على وطنه، ولا يفرط في حبة رمل من ترابه.

واليوم، وقد انكشف زيف الدعايات التي روجت للوهم، وتبدد السراب الذي حاول البعض من خلاله تجزئة الوطن والعبث بتاريخه ونضالات أبنائه، وضع آخر مسمار في نعش الانفصال ومن صدقوه.

وبقي الوطن، بسموه وعزته، الحضن الآمن لأبنائه الأوفياء، المؤمنين أن المغرب شامخ بوحدته، معتز بأصالته، ماض نحو المستقبل بثقة لا تلين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى