مبادرة ملكية نبيلة لتشجيع الشباب وجب حمايتها من الانزلاق نحو الريع

حدث بريس
في خطوة إصلاحية تعكس الحرص الملكي على ترسيخ النزاهة والثقة في المؤسسات المنتخبة، صادق المجلس الوزاري برئاسة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، على حزمة تشريعية جديدة تروم تعزيز الشفافية وتحصين المسار الديمقراطي بالمملكة.
وتتضمن هذه المشاريع القانونية إصلاحات جوهرية تستهدف تشديد العقوبات على الجرائم الانتخابية، وتطوير آليات المراقبة، إضافة إلى دعم المشاركة السياسية للشباب دون سن الخامسة والثلاثين عبر تسهيل شروط الترشح وتوفير دعم مالي يغطي ثلاثة ارباع من مصاريف الحملات الانتخابية.
المبادرة الملكية التي صادق عليها المجلس الوزاري تتجسد في الحزمة التشريعية الانتخابية الجديدة، المكونة من أربعة مشاريع قوانين تنظيمية تهدف إلى تعزيز النزاهة والشفافية في الانتخابات المقبلة، وترسيخ الثقة في المؤسسات المنتخبة.
ومن أبرز ما جاءت به هذه المشاريع:
1. تشديد العقوبات على الجرائم الانتخابية التي تمسّ نزاهة العملية الديمقراطية، مثل شراء الأصوات أو التأثير غير المشروع على الناخبين.
2. توسيع نطاق فقدان الأهلية الانتخابية ليشمل كل من صدرت في حقه أحكام قضائية تتعلق بالفساد أو سوء التدبير، حمايةً للفضاء السياسي من الممارسات غير الأخلاقية.
3. إحداث آليات رقابية جديدة لضمان الشفافية والحدّ من التلاعب أو استغلال النفوذ خلال الحملات الانتخابية.
4. تشجيع مشاركة الشباب عبر تيسير شروط ترشح من تقل أعمارهم عن 35 سنة، ومنحهم دعمًا ماليًا قد يصل إلى 75% من مصاريف الحملة الانتخابية، بما يهدف إلى تمكينهم من خوض التجربة السياسية دون عراقيل مالية.
5. تعزيز التمثيل النسائي وتوسيع مشاركة المرأة في المؤسسات المنتخبة.
هذه الخطوة تمثل تحولًا نوعيًا في مسار تحديث المشهد السياسي، إذ تسعى إلى فتح المجال أمام طاقات جديدة تحمل الكفاءة والالتزام والمسؤولية، بما يسهم في تجديد النخب وإعادة الثقة للمواطن في العملية الانتخابية.
غير أن النجاح في تحقيق هذه الأهداف النبيلة يقتضي اليقظة والحذر من أي محاولات قد تحوّل هذه المبادرة الإصلاحية إلى امتياز جديد أو شكل غير مباشر من الريع السياسي، إذا لم يتم تطبيقها وفق معايير شفافة تضمن تكافؤ الفرص بين جميع الشباب، بعيدًا عن أي تأثيرات نفعية أو اعتبارات عائلية أو فئوية.
فالغاية من هذا الإصلاح ليست فتح الباب أمام “توريث المناصب” أو منح فرص جاهزة، بل تمكين الكفاءات الحقيقية التي أثبتت جدارتها واستحقاقها، مهما كان انتماؤها الاجتماعي أو الجغرافي.
ومن شأن أي انزلاق في تطبيق هذه الإجراءات أن يفقدها معناها ويُضعف الثقة في مقاصدها، وهو ما يتعارض مع الرؤية الملكية الرامية إلى الارتقاء بالممارسة السياسية والنهوض بثقافة المسؤولية والمحاسبة.
إن الحفاظ على روح هذه المبادرة مسؤولية جماعية، تتقاسمها الأحزاب والمؤسسات والهيئات الرقابية والمجتمع المدني والإعلام الوطني، حتى تبقى أداة لتجديد الحياة السياسية لا بابًا جديدًا للامتيازات.
فالإصلاح الحقيقي لا يقوم إلا على النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص، وهي القيم التي دعا إليها جلالة الملك مرارًا لتكون أساسًا لبناء مغرب حديث بمواطنيه وشبابه.