بيئة وتنمية

قضية ببغاوات القنيطرة: مصادرة تثير الجدل وتُعيد طرح سؤال الشفافية في تطبيق قوانين حماية الحياة البرية

محمد المرابطي

 

في واقعة أثارت جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، أقدمت مصالح المياه والغابات يوم الأحد الماضي على حجز 132 ببغاء من أحد الشبان بمدينة القنيطرة، بدعوى مخالفة القوانين المنظمة لحيازة الأنواع البرية المحمية. الشاب، الذي وثّق الواقعة عبر فيديو بصفحته الخاصة بموقع الفايسبوك والذي انتشر بشكل واسع، عبّر عن صدمته من هذا الحجز من طرف عناصر المياه والغابات، مطالباً بـ”المصالحة” لا بالعقاب، مؤكداً أن “المياه والغابات حجزت له 132 ببغاء وهذا الأخير يطالب بالمصالحة”، مما فتح الباب مجدداً أمام نقاش عمومي وقانوني حول كيفية تطبيق القانون المغربي المتعلق بحماية الحيوانات البرية، ومدى وضوحه لدى المواطنين، وأيضاً حول مدى حياد وشفافية التدخلات الرسمية في مثل هذه القضايا.

تستند السلطات المختصة إلى القانون رقم 29.05 المتعلق بـ”حماية أنواع النباتات والحيوانات المتوحشة ومراقبة الاتجار فيها”، والذي يمنع بشكل صارم حيازة أو بيع أو نقل أو استيراد الأنواع البرية المحمية بدون ترخيص مسبق. وينص القانون، المعمول به منذ سنوات، على أن حيازة هذه الكائنات تستوجب الحصول على شهادة مصدر قانوني، خاصة إذا كانت مدرجة ضمن اللائحة الدولية لاتفاقية “سايتس” (CITES)، التي صادق عليها المغرب، والتي تحظر الاتجار في الأنواع المهددة بالانقراض. كما يسمح القانون للمصالح المختصة بمصادرة الحيوانات موضوع المخالفة، بل واعتبارها ملكاً للدولة، تُحدَّد وجهتها وفق تقدير الإدارة: بين الإعادة للطبيعة، أو الإيواء، أو التصرف فيها بموجب القانون.

لكن المثير، حسب العديد من المتتبعين، ليس فقط في نص القانون، بل في محدودية الوعي به. فالكثير من المواطنين والمربين والهواة لا يعلمون أن طيوراً مثل ببغاوات الأمازون أو الرمادي الإفريقي (الكاسكو) مشمولة في لائحة الأنواع المحمية. في ظل هذا الغياب الواضح للتوعية، يجد المواطن نفسه أحياناً في موقع “المخالف” دون علم منه.

هذه الحادثة، فتحت أيضاً باب التساؤلات الجدية حول مدى الإنصاف والعدالة في تطبيق القوانين. عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي والمجتمع المدني أعربوا عن استغرابهم من أن حيوانات محمية تُعرض في الأسواق الشعبية، أو تباع علناً عبر الإنترنت، دون تدخل مماثل من السلطات، بينما تتم عمليات حجز ومصادرة ضد أفراد بعينهم، ما يُغذّي شعوراً بـ”الانتقائية” و”الكيل بمكيالين”.

وفي الوقت ذاته، تحرص الوكالة الوطنية للمياه والغابات على التأكيد بأن تدخلاتها تخضع للقانون ولتنسيق مع السلطات القضائية المختصة، غير أن منتقدين يرون أن هناك حاجة ماسّة إلى تعزيز الشفافية والوضوح في كيفية اختيار الحالات التي تُطبَّق فيها عمليات الحجز والمصادرة.

وبعيداً عن الجدل القانوني، فإن مثل هذه القضايا تكشف عن حاجة ملحة لتكثيف التوعية الإعلامية والتربوية، وليس الاكتفاء بالتدخل الزجري بعد وقوع المخالفة. فالقانون، مهما كان دقيقاً، لا يحقق أهدافه ما لم يكن مفهوماً لدى المواطنين. وعلى هذا الأساس، يدعو مهتمون إلى أن تقوم الوكالة الوطنية للمياه والغابات بـ:

1. إطلاق حملات تواصل دائمة عبر الإعلام المكتوب والمرئي، لتعريف الناس بالقانون 29.05، وما يترتب عن حيازة الأنواع المحمية.

2. إصدار دلائل مبسطة للمواطنين توضح بجلاء الأنواع المحمية، وما يجوز وما لا يجوز فعله.

3. ضمان الحياد في تطبيق القانون وتفادي أي انتقائية من شأنها تقويض ثقة المواطنين في المؤسسات.

4. نشر تقارير دورية توضح عدد المصادرات وأسبابها، في إطار من الشفافية والمساءلة.

وفي هذا الإطار، يشدد نشطاء بيئيون على أن دور الإدارة لا يجب أن يقتصر فقط على حجز الحيوانات أو تحرير المخالفات، بل ينبغي عليها أن تبادر إلى إطلاق برامج توعية وتحسيس تستهدف مختلف شرائح المجتمع، بهدف شرح مخاطر احتجاز الحيوانات والطيور البرية في البيئات المنزلية، لما لذلك من أثر سلبي على توازن المنظومة البيئية، وعلى سلامة هذه الأنواع نفسها التي قد تكون مهددة بالانقراض.

وحسب الرسالة التي وجّهها صاحب الطيور المحجوزة عبر الفيديو، فقد كانت لافتة حين طالب بـ”المصالحة” بدل “العقاب”. وهي دعوة، وإن جاءت من قلب أزمة شخصية، إلا أنها تعكس حاجة أعمق إلى بناء علاقة ثقة بين المواطن والقانون، لا علاقة خوف ومفاجأة. فحماية التنوع البيولوجي ليست معركة بين المواطن والدولة، بل مسؤولية جماعية، لا تتحقق إلا بقانون واضح، وتطبيق عادل، وإعلام فعّال.

وفي هذا السياق، يجب تسليط الضوء على هذه القضية التي تتكرر بصيغ مختلفة، فالهدف منها هو فتح نقاش هادئ حول ضرورة الوضوح القانوني، والشفافية الإدارية، والعدالة في حماية البيئة والحيوانات، بما يحفظ التوازن بين الردع والوعي، وبين المصلحة العامة وحقوق الأفراد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى