دوليات

صنصال يشعل أزمة دبلوماسية جديدة بين باريس والجزائر

في فصل جديد من التوتر المزمن بين باريس والجزائر، تبنّت الجمعية الوطنية الفرنسية بأغلبية ساحقة لائحة تطالب بالإفراج الفوري عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، المعتقل منذ نوفمبر 2024 بتهم تتعلق بـ”المساس بأمن الدولة”. التحرك الفرنسي لم يتوقف عند حدود الإدانة الحقوقية، بل لوّح بتجميد مفاوضات تحديث اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، مما ينذر بتفاقم الأزمة بين البلدين.

اللائحة البرلمانية، التي حظيت بدعم 307 نواب مقابل 28 معارضاً، اعتبرت أن قضية صنصال تمثل “اختباراً لجدية التزام الجزائر بحقوق الإنسان”، داعية إلى تحرّك فرنسي وأوروبي فوري لضمان حقوق الكاتب المسن، بما يشمل زيارته القانونية والطبية. وتوقف البرلمانيون عند ما وصفوه بـ”استغلال سياسي للخلافات الثنائية للمساس بالحريات الفردية”، رافضين تحويل ملف صنصال إلى ورقة ضمن النزاع السياسي القائم.

صنصال: كاتب أم معارض؟

بوعلام صنصال، المعروف بكتاباته النقدية تجاه السلطة الجزائرية، يواجه اتهامات خطيرة بعد تصريحات لقناة فرنسية شكك فيها في شرعية الحدود الجزائرية، واعتبر أن الصحراء الشرقية “جزء من التراب المغربي”. هذه التصريحات وُصفت رسمياً بـ”التحريض على المساس بوحدة الدولة”، وتندرج وفق القانون الجزائري تحت المادة 87 مكرر المرتبطة بالأعمال الإرهابية.

بالنسبة لباريس، يبدو أن صنصال تجاوز الحدود السياسية نحو فضاء حرية التعبير، فيما ترى الجزائر في تصريحاته تجاوزاً للخطوط الحمراء التي تمس الأمن القومي.

ضغط فرنسي بثوب حقوقي

النقاش داخل البرلمان الفرنسي لم يخلُ من التباين، حيث اعتبر نواب اليسار المتشدد أن الخطوة تمثل “امتداداً لعقلية استعمارية”، بينما شدد التيار الوسطي واليميني على أنها “موقف إنساني مبدئي”. في المقابل، يرى مراقبون أن استخدام باريس ورقة حقوق الإنسان في هذا التوقيت يخفي أبعاداً جيوسياسية، مرتبطة بتراجع النفوذ الفرنسي في المغرب العربي، وتزايد الدور الصيني والروسي في الجزائر.

تصعيد متبادل؟

لم يصدر حتى الآن رد رسمي من الجزائر، لكن التوقعات تشير إلى رد دبلوماسي حازم، قد يشمل استدعاء السفير الفرنسي أو تعليق مشاورات ثنائية. وتخشى الأوساط الأوروبية أن يؤدي هذا التصعيد إلى تأزيم العلاقة مع شريك طاقي واستراتيجي مهم، خصوصاً في ظل الأوضاع المضطربة في منطقة الساحل.

 تبدو قضية بوعلام صنصال أبعد من كونها خلافاً حول حرية التعبير. إنها مرآة تعكس تعقيد العلاقة بين بلدين يشتركان في التاريخ ويتنازعان على الحاضر. وبين السرديات الحقوقية والحسابات الجيوسياسية، يظل مصير صنصال معلقاً بين قضبان السجن وحسابات السياسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى