جامعة محمد الأول تتعقّب آثار الديناصورات في الهضاب الشرقية: كنز جيولوجي عمره 90 مليون سنة

ابراهيم ادريسي
في إنجاز علمي يُبرز ريادة البحث الجامعي المغربي، واصلت جامعة محمد الأول بوجدة، عبر فريقها البحثي التابع لمخبر NAVEP-3، أعمالها الميدانية في منطقة تندرارة بالهضاب الشرقية للمملكة، حيث تم توثيق آثار أقدام ديناصورات تعود إلى نحو 90 مليون سنة.
ويُعد هذا الاكتشاف واحدًا من أندر الكنوز الجيولوجية في المغرب وشمال إفريقيا، لما يحمله من قيمة علمية وسياحية واستراتيجية للمنطقة.

كنز طبيعي في عمق الشرق المغربي
تقع منطقة تيغري – تندرارة ضمن الهضاب الشرقية للمملكة المغربية، وهي مجال جغرافي غني بالترسبات الرسوبية التي تحفظ ذاكرة الأرض منذ العصور الطباشيرية.
وخلال زيارتهم العلمية الأخيرة، تمكن باحثو جامعة محمد الأول من رصد مسارات متقاطعة لديناصورات آكلة أعشاب وأخرى آكلة لحوم، طبعت خطواتها فوق أرض كانت في الماضي البعيد مستنقعًا طينيًا قبل أن تتحجر بفعل الزمن.
ويرى الفريق العلمي أن هذه المسارات، بحجمها وتنوعها، تمثل دليلًا فريدًا على الحياة الحيوانية التي عرفها الشرق المغربي خلال العصر الطباشيري المتأخر، مشيرين إلى أن مثل هذه الآثار تشكّل مصدرًا نادرًا للمعلومات حول سلوك الديناصورات وتفاعلها مع بيئتها.
جامعة محمد الأول… ريادة بحثية ورؤية تنموية
أثبتت جامعة محمد الأول مرة أخرى حضورها القوي في مجال البحث الجيولوجي والأحفوري، إذ تقود منذ سنوات مشاريع علمية نوعية تربط بين البحث الأكاديمي والميدان التطبيقي.
ومن خلال مختبر NAVEP-3، تمكّن الفريق الجامعي من توثيق الموقع وتحليل طبقاته الرسوبية وتصنيفه علميًا، بالاعتماد على أحدث التقنيات الجيولوجية وأساليب التحليل ثلاثي الأبعاد.
وقد نوه خبراء جيولوجيون بمستوى التنظيم والدقة التي أظهرها الفريق، معتبرين أن هذا العمل يعكس مدرسة علمية مغربية حديثة في دراسة التراث الطبيعي.
كما أشادوا بقدرة الجامعة على تحفيز الطلبة والباحثين الشباب للمشاركة في البحوث الميدانية، مما يجعل من هذا المشروع تجربة نموذجية في نقل المعرفة وتكوين الكفاءات داخل المملكة.
الهضاب الشرقية… مختبر طبيعي مفتوح
الهضاب الشرقية، الممتدة بين فكيك وتندرارة وبوعرفة، تتحول بفضل هذه الجهود إلى مختبر طبيعي مفتوح أمام الباحثين والزوار.
فهي لا تقتصر على آثار الديناصورات فحسب، بل تختزن شواهد جيولوجية على تحولات مناخية وبيئية عرفتها المنطقة قبل ملايين السنين.
ويُرجّح الباحثون أن الطبقات التي اكتُشفت فيها المسارات تنتمي إلى تكوين تيغري الرسوبي، وهو من أغنى التكوينات المغربية بالمؤشرات الأحفورية.
وتشير نتائج التحليل الميداني إلى أن بعض المسارات تُظهر توازيًا في الاتجاه، ما يدل على سلوك جماعي للديناصورات أثناء التنقل أو البحث عن الغذاء، في استنتاج علمي يثري فهم تطور هذه الكائنات.
من الاكتشاف إلى الحماية
ورغم القيمة العلمية الفائقة للموقع، يؤكد فريق جامعة محمد الأول على ضرورة تأمين الموقع وحمايته من التآكل والعوامل البشرية.
ويعمل الفريق على إعداد تقارير تقنية لرفعها إلى الجهات المختصة بهدف إدراج الموقع ضمن قائمة التراث الطبيعي الوطني، مع اقتراح مشاريع لتأهيله سياحيًا وتربويًا.
كما شدّد الباحثون على أهمية إشراك الساكنة المحلية في جهود الحماية من خلال برامج توعوية وتدريبية، تُحوّل هذا الإرث إلى مصدر فخر ورافعة للتنمية المستدامة في المنطقة.
تندرارة… بوابة نحو الماضي السحيق
يؤكد هذا الإنجاز أن جامعة محمد الأول ليست فقط مؤسسة للتكوين الأكاديمي، بل أيضًا قاطرة وطنية للبحث العلمي الميداني الذي يخدم المعرفة والتنمية في آن واحد.
فمن قلب الهضاب الشرقية، ومن بين صخورها العتيقة، تعيد الجامعة كتابة فصل جديد من تاريخ الأرض، وتمنح للمغرب موقعًا متقدمًا في دراسة حقب الحياة القديمة.
إنه كنز جيولوجي فريد من نوعه عمره 90 مليون سنة، أعاد فريق بحث مغربي اكتشافه، بعزيمة علمية صادقة وإيمان عميق بأن أرض المغرب ما تزال تخفي الكثير من أسرارها… تنتظر فقط من يقرأها بعين العلم والمعرفة.



