مال وأعمال

تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس: قطاع السياحة يحقق إنجازات استثنائية ويصبح ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية

بقلم: بوحوت الزوبير من ورزازات

 

يشهد القطاع السياحي المغربي نمواً غير مسبوق تحت التوجيهات الملكية السامية، حيث سجل مؤشرات أداء قياسية في عام 2024 مقارنة بمستويات عام 2000. فقد ارتفع عدد الوافدين من 4.27 مليون إلى 17.4 مليون سائح، بينما قفزت العائدات المالية من 21.7 مليار درهم إلى 112.5 مليار درهم. كما توسعت الطاقة الاستيعابية من 70 ألف سرير إلى 400 ألف سرير، وارتفع عدد الوظائف المباشرة من 140 ألف إلى 827 ألف فرصة عمل.

ووصل حجم الاستثمارات في القطاع السياحي خلال 25 سنة الأخيرة إلى أكثر من 200 مليار درهم، أكثر من نصفها لقطاع الإيواء السياحي، بالإضافة إلى الاستثمارات الكبيرة في مجال الطيران عبر تعزيز أسطول الخطوط الملكية المغربية والمشاريع الكبرى للمكتب الوطني للمطارات. وقد ساهمت هذه البنية التحتية السياحية المتطورة بشكل حاسم في نجاح المغرب في الترشح لاستضافة كأس العالم 2030.

منذ تولي جلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه المنعمين، أولى جلالته اهتماماً خاصاً بتطوير القطاع السياحي وجعله في صلب الاستراتيجية التنموية للمملكة. وتجسد هذا الاهتمام في ست مبادرات كبرى شملت: رؤية 2010، ورؤية 2020، وإنشاء الصندوق الخاص لدعم القطاع خلال جائحة كوفيد-19، وتعزيز صورة المغرب عبر مشاركته الناجحة في كأس العالم 2022، وإطلاق خارطة طريق جديدة للسياحة 2030، والتعبئة الوطنية لتنظيم كأس العالم 2030.

وحققت هذه التوجيهات الملكية تحولاً جذرياً في القطاع السياحي، حيث تضاعف عدد السياح أربع مرات، وارتفعت العائدات خمسة أضعاف، وزادت طاقة الاستيعاب ستة أضعاف، ونمت فرص العمل المباشرة ست مرات، فيما تجاوزت الاستثمارات التراكمية 200 مليار درهم. كما لعبت البنية التحتية السياحية دوراً محورياً في الفوز باستضافة المونديال. هذه النتائج الاستثنائية تبرز حكمة الرؤية الملكية وأثرها البنيوي في تعزيز مكانة المغرب على الخريطة السياحية العالمية.

1. رؤية 2010: نقلة نوعية في السياحة المغربية

شكل إطلاق رؤية 2010 في يناير 2001 بمدينة مراكش منعطفاً تاريخياً في مسار السياحة الوطنية، حيث سعت إلى جعل المغرب وجهة سياحية عالمية بامتياز. وضعت هذه الاستراتيجية الطموحة أهدافاً كبرى شملت جذب 10 ملايين سائح بحلول 2010 (بينهم 7 ملايين سائح أجنبي)، ورفع الطاقة الاستيعابية إلى 230 ألف سرير بإضافة 160 ألف وحدة جديدة، وتأهيل أكثر من 70 ألف متخصص في مجال السياحة والفندقة.

حققت الرؤية نتائج ملموسة بحلول عام 2010، حيث استقبل المغرب 9.3 مليون سائح (محققاً 94% من الهدف)، ووصلت الطاقة الفندقية إلى 175 ألف سرير، بينما بلغت العائدات السياحية 56 مليار درهم. وساهم القطاع في خلق مئات الآلاف من الوظائف المباشرة وغير المباشرة، كما شهدت منظومة التكوين المهني تطوراً ملحوظاً لرفع كفاءة العاملين في المجال.

أحدثت رؤية 2010 تحولاً شاملاً في القطاع السياحي، من خلال تحديث الإطار المؤسساتي، وتحفيز الاستثمارات الخاصة، وتنويع العرض السياحي، وتحسين الربط الجوي عبر تحرير المجال الجوي. كما ساهمت في تحسين جودة الخدمات وترويج العلامة السياحية المغربية عالمياً، مما مهد الطريق لاستراتيجيات لاحقة مثل رؤية 2020، وثبت مكانة السياحة كرافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

2. رؤية 2020: نحو سياحة مستدامة ومتنوعة

جاءت رؤية 2020 التي أطلقت في نوفمبر 2010 لتعزز مسيرة التطور السياحي، مستفيدة من إنجازات الرؤية السابقة. هدفت هذه الاستراتيجية إلى مضاعفة حجم القطاع بحلول 2020، عبر اعتماد سياسة ترابية ذكية تقوم على تطوير ثمانية مناطق سياحية كبرى، كل منها يتميز بمزاياه الجغرافية والثقافية والاقتصادية الفريدة.

ارتكزت الرؤية على أربع دعائم رئيسية: الأصالة، التنوع، الجودة والاستدامة، مع التركيز على تعزيز الموروث المحلي، ورفع كفاءة الكوادر المهنية، وتحسين ثقافة الخدمة، وتطوير عرض سياحي تنافسي يحترم البيئة. تميزت هذه الاستراتيجية بالتزامها بسياحة مستدامة تحافظ على الموارد الطبيعية وتدير المجالات الترابية بعقلانية وتطور السياحة البيئية.

توج هذا الالتزام بترأس المغرب للجنة التوجيهية للشراكة العالمية للسياحة المستدامة بين 2013 و2015، مما عزز مكانة المملكة كفاعل دولي في هذا المجال. كما اتسمت الرؤية ببعدها التضميني عبر دعم أقطاب سياحية جديدة، وتعزيز جاذبية المناطق القروية، وإشراك الساكنة المحلية. ومن خلال تطوير البنى التحتية وتحسين الخدمات، سعت الرؤية إلى جعل السياحة محركاً للتنمية الترابية العادلة والمستدامة، مما عزز مكانة المغرب بين الوجهات السياحية العالمية الرائدة. 3. الآثار الملموسة للصندوق الخاص بكوفيد-19 على القطاع السياحي

بتوجيهات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، تم إنشاء صندوق خاص لإدارة جائحة كوفيد-19 بهدف دعم القطاعات الأكثر تضرراً من الأزمة الصحية، وعلى رأسها قطاع السياحة. وقد خصص هذا الصندوق ما يقارب 37 مليار درهم، مكن من تقديم دعم مباشر للعاملين في المجال السياحي. وشملت أبرز الإجراءات منح تعويض شهري بقيمة 2000 درهم للموظفين المسجلين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي العاملين في مؤسسات سياحية متوقفة مؤقتاً. وقد لعب هذا الدعم دوراً حاسماً في الحفاظ على دخل آلاف العمال، مما ضمن استقراراً اجتماعياً ومالياً خلال أصعب أشهر الجائحة.

بالتوازي مع ذلك، تم إطلاق خطة استعجالية بقيمة 2 مليار درهم لدعم المنشآت السياحية. وشمل هذا البرنامج الشامل إجراءات اجتماعية ومالية وضريبية لتخفيف الأعباء عن المؤسسات، مثل تحمل جزء من الاشتراكات الاجتماعية، وتأجيل الآجال الضريبية، وتسهيل الوصول إلى قروض مضمونة من الدولة. كما خصصت منح خاصة لإعادة تأهيل وتحديث البنى التحتية السياحية وإعادة تشغيلها، مما ضمن استمرارية القطاع وهيأه بشكل فعال لمرحلة الانتعاش ما بعد الأزمة.

4. تأثير كأس العالم: رافعة أساسية لتعزيز السياحة المغربية

حققت “أسود الأطلس” أداءً تاريخياً في كأس العالم لكرة القدم قطر 2022، حيث وصلت إلى نصف النهائي لأول مرة في تاريخ الدول العربية والإفريقية، مما أثار موجة عالمية من الاهتمام بالمغرب. وقد استفادت المملكة من ظهور إعلامي غير مسبوق، حيث قفزت عمليات البحث عن المغرب على محرك “غوغل” من 500 ألف سنوياً إلى أكثر من 13 مليون بحث في شهر واحد فقط، أي ما يعادل 26 سنة من الظهور الإعلامي الرقمي. وقد ساهم هذا التأثير الإعلامي الكبير في تعزيز صورة المغرب دولياً، وترسيخ مكانته كوجهة ثقافية ورياضية وسياحية متميزة.

يعتمد هذا النجاح الرياضي على استثمار هيكلي هو مركز محمد السادس لكرة القدم. الذي تم افتتاحه عام 2019 بمدينة سلا، وهو مركز تدريب متطور ساهم في ظهور جيل متميز من المواهب المغربية التي أثرت البطولة العالمية، ومن بينهم عزيز أوناحي، ونايف أكرد، ويحيى عطيات الله، وبلال الخنوس. وبفضل منهجية احترافية في اكتشاف المواهب وإعداد الناشئين، رفع هذا المركز من مستوى الكرة المغربية مع إبراز صورة التميز والانضباط والحداثة.

وقد كانت الآثار السياحية مذهلة، حيث سجل المغرب رقماً قياسياً في عدد الزوار بلغ 17.4 مليون سائح عام 2024، مع توقعات إيجابية تتوقع وصول العدد إلى 21 مليون سائح في 2025. وقد تضاعف الإقبال الدولي على الوجهة المغربية، بفضل الظهور الإعلامي للمونديال، الذي تعزز بحملات الترويج للمكتب الوطني المغربي للسياحة وافتتاح خطوط جوية جديدة. وهكذا أصبح الرياضة محركاً قوياً للانتعاش، يرسخ مكانة المملكة كفاعل رئيسي في السياحة العالمية.

5. دينامية سياحية طموحة تقودها الرؤية الملكية وخارطة طريق واضحة

تطمح الخارطة الجديدة للسياحة المغربية إلى استقبال 26 مليون زائر بحلول عام 2030، مما يعزز مكانة المملكة بين الوجهات السياحية العالمية الكبرى. يعتمد هذا المخطط الطموح على نتائج متميزة تحققت بالفعل، حيث استقبل المغرب 17.5 مليون سائح في 2024 – وهو رقم كان متوقعاً تحقيقه في 2026. وتستمر هذه الدينامية الإيجابية مع توقعات باستقبال 21 مليون زائر في 2025، ونحو 24 مليوناً متوقع في 2026، مما يعكس الجاذبية المتزايدة والثقة المتجددة في هذا القطاع الاستراتيجي.

هذه النهضة تتوافق تماماً مع رؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي جعل من السياحة أولوية وطنية منذ توليه العرش. بدءاً من المؤتمر الأول للسياحة بمراكش عام 2001 وإطلاق “رؤية 2010″، أعطى جلالته دفعة قوية لإعادة هيكلة وتحديث القطاع. وقد أسهم هذا الالتزام المستمر في حشد كافة الفاعلين العموميين والخواص، ليجعل من السياحة رافعة حقيقية للتنمية المستدامة وخلق فرص الشغل والإشعاع الدولي.

يعتمد النجاح الحالي على استراتيجية متكاملة ترتكز على تنويع العرض السياحي، تحديث البنيات التحتية، وتعزيز الموروث الثقافي والطبيعي الغني للمملكة. حيث ساهمت تحسينات القدرة الاستيعابية، تطوير الروابط الجوية، الرقمنة، والتركيز على جودة الاستقبال في تعزيز تنافسية المغرب دولياً. كما أن إدماج مبادئ الاستدامة والاندماج الاجتماعي يضمن نمواً مسؤولاً يعود بالنفع على جميع الأطراف.

وهكذا، ووفقاً للرؤية الملكية الثابتة منذ 2001، أصبح قطاع السياحة دعامة أساسية للاقتصاد الوطني. إن التزام جلالة الملك الدائم، مقروناً بحشد جميع الفاعلين، يمكن المغرب من التطلع بثقة نحو مستقبل تلعب فيه السياحة دوراً محورياً في الازدهار الاقتصادي والإشعاع العالمي للبلاد.

6. رؤية ملكية تدفع المغرب نحو دينامية اقتصادية معززة بفضل كأس العالم 2030

يشكل ترشح المغرب لتنظيم كأس العالم 2030، المدعوم برؤية طموحة والتزام شخصي من جلالة الملك محمد السادس، محفزاً حقيقياً للتنمية الاقتصادية والسياحية للبلاد. هذه المبادرة الملكية، التي تتمتع بمصداقية كبيرة على المستوى الدولي، ساهمت في جذب استثمارات أجنبية ومحلية مهمة، مما عجل بتحديث البنيات التحتية ونشط القطاع السياحي بأكمله. وتشير التقديرات إلى أن هذا الحدث قد يحقق عائدات اقتصادية مباشرة تتراوح بين 10 و12 مليار دولار، مع تأثير هيكلي على عائدات حقوق البث والرعاية واستقبال الزوار.

في صلب هذه الدينامية، خصص مخطط استثماري بقيمة عدة مليارات يورو للقطاع السياحي لمواجهة التدفق المتوقع للزوار. حيث تم تخصيص أكثر من 4.7 مليار يورو، منها 2.5 مليار مخصصة لزيادة الطاقة الفندقية بنسبة 25%، أي ما يقارب 100 ألف سرير إضافي، للوصول إلى طاقة استيعابية تمكن من استقبال نحو 26 مليون سائح بحلول 2030. يرافق هذا المخطط سياسة تحفيزية تستهدف تشجيع الاستثمارات الخاصة، بإجراءات ضريبية جذابة تعزز تنافسية البلاد على الساحة العالمية.

بالتوازي مع الاستثمارات في القطاع الفندقي، تم إطلاق ورشات كبرى للبنيات التحتية لتحضير استضافة المنافسات وتحديث الشبكة اللوجستية الوطنية. حيث يأتي تطوير المطارات في صلب الأولويات، مع تحديث المنصات الدولية مثل مطار الدار البيضاء محمد الخامس، مراكش المنارة، أكادير المسيرة، وطنجة ابن بطوطة، بهدف زيادة طاقتها الاستيعابية وتبسيط حركة النقل الجوي. كما يجري توسيع شبكة القطار الفائق السرعة (البراق) التي تربط حالياً طنجة بالدار البيضاء، لربط المزيد من المدن المضيفة المحتملة، مما يضمن تنقلاً سريعاً وفعالاً بين مواقع المونديال. كما يجري بناء أو تجديد ملاعب جديدة مطابقة للمعايير الدولية في عدة مدن مغربية، تلبي متطلبات الفيفا وتوفر منشآت رياضية متعددة الوظائف وعصرية.

تجسد هذه الدينامية المتكاملة بين الرؤية الملكية، التنمية السياحية وتحديث البنيات التحتية قدرة المغرب على التموقع ليس فقط كبلد مضيف رائد لكأس العالم 2030، ولكن أيضاً كوجهة جذابة ومستدامة على المدى الطويل. إنها تعكس استراتيجية شاملة تتجاوز الحدث الرياضي لتحدث تأثيراً اقتصادياً واجتماعياً وإقليمياً عميقاً، مما يعزز مكانة المملكة على الخريطة الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى