النظم السقوية التقليدية في واحات المغرب

النظم السقوية التقليدية في واحات المغرب ارث ايكولوجي جدير بأن يصنف في قائمة التراث الانساني لليونيسكو، انصافا للواحيين الذين برعوا في ابتداع اساليب تقليدية لترشيد مياه السقي في تحدي لقساوة الطبيعة وما ينجم عنها من تغيرات مناخية ومشاكل بيئية.
السقي التقليدي، له قوانين عرفية، شأنه شأن باقي نظم السقي التقليدية المشهورة في الحضارات الزراعية الخضراء، إن في شمال افريقيا، أو في بلاد مصر القديمة، أو في بلاد فارس، أو في بلاد الرافدين، أو حتى في حضارات آسيا القديمة.
ويراعي هذا النوع من السقي استدامة الموارد المائية والحفاظ على البيئة في هذه الأوساط الايكولوجية حيث تتغذي الحياة الزراعية بمياه الأنهار التي استقبلت حضارات خضراء تلوى الأخرى.
وقد راكم الواحيون، تجربة عريقة في التعامل مع مدخرات الموارد المائية، ولهم خبرة رائدة بالتقلبات المناخية، وبهذه الوسائل البسيطة، تمكنوا من التغلب على موجات الجفاف الفجائية، رغم أن هذه الامكانيات محدودة، لكنها فعالة.
ففي واحات دادس وتودغى، وفي اجزاء من واحات درعة وتافيلالت يعتمد الواحيون على “الكدوم” جمع “إكدومن”، وبهذه الوحدة القياسية جرى تنظيم مياه السقي، و”الكدوم” عبارة عن قصبة من أربعة امتار، تستعمل لتحديد واجب تنقية السواقي وبناء السدود.
ومن يملك أكبر عدد من “الكدوم” يملك أكبر عدد من ساعات السقي، وأكبر مساحة زراعية، وهو من يساهم أكثر في اشغال تنقية الساقية، حيت ينادي شيخ الماء “العلام” الشباب على حد الصيام لتنقية السواقي من الطين “ألوط” ومن الطحالب “تيكسكاس”، ومن يتخلف منهم، يقوم آخر مقامه، ويقال عنه: إنه كسر الساقية “إرزا تركا” أي أنه لم يحضر أثناء الأشغال.
فالساعات “أكدومن”، توزع على العظام بحسب عدد أيام الأسبوع، وتسمى محليا “تيرام ن وامان” أي نوبات المياه، ومن لم يستعمل الحصص المائية في وقتها، لا تحتسب له، ولا يعوض عنها، ويقال: “زرين وامان”، أي مرت المياه، ومن حق الموالين في ترتيب النوبة أن يستفيد من هذه الحصص المائية.
تحسب الحصص المائية، إذن، “بالكدوم” وكل عظم “إغس” يعرف حصصه من الماء، وأي تنقل للملكية لاسباب من الأسباب تنقل معها الحصص المائية التي سرعان ما تتنقل بين الواحيين، بسبب البيع الجاري أو الارث…، وحقك في الوجود داخل المجموعة تكتسبه من حقك في الماء، ومن لا يملك ذلك، يشتغل مقابل قوة عمله، وله الحق في خمس الانتاج، ولهذا يطلق عليه الخماس أي “أخماس”.
وفي واحات طاطا بدرعة وتاخجيجت بكلميم يعتمد الواحيون في قياس الحصص المائية على “تاناست”، وهي عبارة عن اناء من القصدير، به ثقب صغير في الوسط من حجم ثقب سم الخياط، يوضع فوق المياه إلى أن يمتلاء، ويحسب شيخ الماء: “يات تناست” وتقابلها ساعة واحدة، وهكذا دواليك.
فاصحاب المشارات الزراعية الكبيرة يملكون أكبر عدد من ساعات السقي “تناسين” فيما فئة عريضة لا تملك سوى بعض الساعات، ومن حق أي مالك أن يبيع حقه من الماء دون الأرض، ومن حق مالك هذه الساعات بيعها في حالة عدم استعمالها لغيره، وجرت العادة أن يسجل الباقي استخلاصه من الساعات على زعف نخل على شكل نتوءات “تيموكرسين” وكل نتوء يرمز إلى حصة مائية، ويقال “يات تناست”، ويتكلف شيخ الماء وفريقه في احتساب عدد الساعات الباقية تم يقوم بتوزيعها على أصحابها في الأسبوع الموالي.
رغم المزيا الايكولوجية لهذه النظم إلا أنها في وقتنا الراهن في الطريق إلى الزوال، ففي دادس وتودغى تم التخلي عن “الكدوم” وكذا الأمر بالنسبة لتاكموت في طاطا وتخجيجت في كلميم.
وفي بعض المناطق تستعمل الخطارات لجلب المياه عن طريق الجاذبية من المناطق المرتفعة نحو المناطق المنخفضة، وهي عبارة عن قنوات باطنية، تجري تحت الأرض دون الففي بدل ذلك تقوم المجموعات الواحية بكراء تنظيف السواقي وبناء السدود.
وهذا التراجع يتطلب تدخلا سريعا من الجهات المعنية للحفاظ على هذه النظم السقوية التقليدية باعتبارها ارث ايكولوجي عريق يرمز إلى حضارة الواحة التي تعود لعدة قرون.
بووماي ابراهيم



