المغرب: لماذا أشارك في مظاهرات جيل Z 212 وأنا في هذا العمر؟

“لماذا أشارك في مظاهرات جيل Z 212 وأنا في هذا العمر؟”
هو مقال رأي شخصي للكاتب لشقر امحمد ، وهو طبيب جراح وكاتب مساهم في منصة “Mediapart”، يتمحور حول تبريره لمشاركته في حراك احتجاجي حديث يقوده الشباب في المغرب، ويُعرف بـ “Génération Z 212”. يمثل هذا النص جسرًا بين جيلين من النشطاء، جيل الكفاح الماضي وجيل الاحتجاج الحالي، ضمن السياق المغربي المطالب بالإصلاح الاجتماعي . يرفض الكاتب الانضمام إلى حراك الشباب بدافع العاطفة أو الحنين، بل يؤكد أنه “اختيار مدروس” نابع من “الوفاء لقيمنا، ولماضينا، ولأنفسنا”. ويصل إلى ذروة أطروحته في الجملة المفتاحية: “Nous ne rejoignons donc pas Génération Z 212 « malgré » notre âge, mais « à cause » de lui” (نحن لا ننضم إلى جيل Z 212 “على الرغم” من عمرنا، بل “بسببه”).
الموضوع يحدده الكاتب بوضوح في المقدمة، وهو المظاهرات السلمية لـ Génération Z 212 والمطالب التي ترفعها، كالكرامة والعمل والعدالة ومكافحة الفساد. التبرير الشخصي والأخلاقي يأتي كرد على الاستغراب المتوقع من مشاركة شخص مسن، حيث يربط الكاتب المشاركة بالماضي النضالي له ولزوجته، والسعي لتحقيق أحلام الشباب القديم للعدالة والحرية والكرامة، مشيرًا إلى ثمن النضال في الماضي، والذي شمل السجن والمنفى والصمت. المقارنة الإيجابية تظهر عندما يرى الكاتب في الحركة الحالية “شيئًا من تلك الشعلة، ولكن بنضارة جديدة”، مثمنًا رفض الشباب لـ “الاستياء، الخوف، الاستسلام، والاستغلال”. كما يقدم مقارنة تباينية بين جيله (“متسرعون، سُذَّج، عنيفون أحيانًا، مثاليون”) والجيل الحالي (“أكثر هدوءًا، أكثر وعيًا، أكثر صبرًا، أقل مثالية”)، ويصف هذه الخصائص بأنها قوة الجيل الجديد.
في الاستنتاج، يؤكد الكاتب على الخبرة، حيث تُستخدم التجارب الماضية كدافع رئيسي للانضمام (“بسبب” العمر)، ويحدد دور جيله بوضوح: المساندة والمرافقة، وليس القيادة أو الوصاية (“ni devant, ni derrière, sans paternalisme ni tutorat”). الهدف هو تحويل الرفض إلى “مشروع مجتمع عادل ومتساوٍ”. إن الحراك يركز على المطالب التوافقية (Consensuelles)، وهي مطالب اجتماعية-معيشية قابلة للتوافق العام (dignité, travail, santé, justice sociale, lutte contre la corruption)، بدلاً من الشعارات السياسية الحزبية أو الأيديولوجية المعقدة (slogans partisans, drapeaux idéologiques). وهذا يعكس براغماتية الحركة ووعيها بضرورة توسيع قاعدتها، كما يحدد الكاتب الهدف النهائي لنضاله الماضي والحاضر على أنه “une véritable démocratie, où la parole des citoyens compte”، مما يضع الحراك ضمن الإطار الأوسع للحركات الحقوقية والمدنية. يستخدم الكاتب استعارات قوية مثل “La flamme” (الشعلة) لربط النشاط النضالي المستمر بين جيلين، و”La lumière perce déjà au bout du tunnel” (النور يبزغ بالفعل في نهاية النفق) للتعبير عن الأمل والتفاؤل بقرب تحقيق التغيير بعد فترة طويلة من الصعاب. هذا النص وثيقة هامة تعكس وعي النخب المثقفة بضرورة دعم الحركات الشبابية الجديدة والتعامل معها كشريك، مع احترام استقلاليتها وتكتيكاتها المختلفة عن سوابقها التاريخية.
الترجمة الكاملة للمقال المدونة الشخصية للدكتور محمد لشقر من منصة Mediapart:
المغرب. لماذا، في عمري هذا، أشارك في مظاهرات جيل Z 212؟
منذ ثمانية أيام، يسير الشباب المغربي سلميًا في جميع مدن المغرب. لا يحملون شعارات حزبية، ولا أعلامًا أيديولوجية، بل كلمات بسيطة فقط: الكرامة، العمل، الصحة، العدالة الاجتماعية، ومكافحة الفساد…
قد يُستغرب من رؤيتي، في سني هذا، أنضم إلى حركة شبابية. ومع ذلك، بعد مشاركتي في مظاهرة أول أمس التي نُظمت في طنجة، شعرتُ بالحاجة للعودة إليها هذا المساء، في ساحة الأمم، عند الساعة السادسة. وأصرت زوجتي هي الأخرى على مرافقتي. بالنسبة لنا، ليس هذا مجرد اندفاع عاطفي بالتعاطف، ولا هو حنين عابر، بل هو اختيار مدروس. إنه نابع من الوفاء لقيمنا، ولماضينا، ولأنفسنا، ولكل الغائبين الذين سقطوا دفاعًا عن أفكارهم.
في شبابنا، حلمنا بالعدالة والحرية والكرامة. حملنا هذه الكلمات عالياً، وأحيانًا كان ذلك ضد التيار، وغالبًا ما كان الثمن باهظًا. الكثيرون منا ذاقوا مرارة السجن أو المنفى أو الصمت القسري. لكن لم يُطفئ كل ذلك قناعتنا بأن هذا البلد يستحق الأفضل: ديمقراطية حقيقية، حيث صوت المواطنين له قيمة، وحيث الوطن، بكل ثرواته، ملك لجميع المغاربة.
اليوم، أجد في حراك “جيل Z 212” شيئًا من تلك الشعلة، ولكن بنضارة جديدة. هؤلاء الشباب لا ينغلقون على الاستياء؛ إنهم يرفضون الخوف والاستسلام والاستغلال. يتحدثون عن المستقبل، عن العدالة الاجتماعية، عن المساواة الحقيقية بين الأقاليم، وعن مكافحة الفساد. وهذا، في نظرنا، يستحق الاستماع والدعم.
ندرك أن هناك اختلافات بين شبابنا والشباب الذي “يملأ الشوارع” اليوم. كنا متسرعين، ساذجين، وأحيانًا عنيفين أو مغامرين: أردنا تغيير كل شيء، وعلى الفور. أما هم، فهم أكثر هدوءًا، وأكثر وعيًا، وأكثر صبرًا، وأقل مثالية. ولعل هذه هي قوتهم. ومع ذلك، فإننا نسير إلى جانبهم لنبني معًا رؤية أوسع من الغضب، وأكثر استدامة من الاستعجال. بوجودنا، نريد أن نساهم في تحويل رفض الظلم إلى مشروع مجتمع عادل ومتساوٍ. لنبتكر مغربًا تلتقي فيه أصوات الشباب، وأصواتنا نحن أيضًا، أصوات الأمس وأصوات الغد، لرسم مستقبل مشترك.
نحن لا ننضم إلى “جيل Z 212” “على الرغم” من عمرنا، بل “بسببه”. لأننا نعلم، من واقع الخبرة، أن اللحظات التي عاد فيها شعبنا للأمل كانت نادرة وثمينة. ولأننا نؤمن بأنه عندما يأخذ الشباب زمام المبادرة للنهوض، يجب علينا أن نسير على الأقل جزءًا من الطريق إلى جانبهم — لا أمامهم، ولا خلفهم، بدون وصاية أو أبوية. الأهم هو اتخاذ هذه الخطوة الأولى على طريق التغيير، ثم ترك المجال لهم لمواصلة مسيرتهم نحو المرحلة التالية. النور يبزغ بالفعل في نهاية النفق. المستقبل، هو مستقبلهم.