المدرسة الأمريكية تحتفل بالمسيرة الخضراء من خلال فيلم الهاربون من تندوف

حدث بريس : متابعة
في يوم الأربعاء 5 نوفمبر على الساعة الثانية عشرة والنصف، عاشت المدرسة الأمريكية بالدار البيضاء لحظةً استثنائية مليئة بالفخر الوطني والرمزية التاريخية، احتفالًا بذكرى المسيرة الخضراء. فقد تحولت قاعات الدرس إلى فضاءٍ للذاكرة والتأمل في حدثٍ شكّل علامةً فارقة في تاريخ المغرب المعاصر. وتحت إشراف المدير السيد جون بيرنز، وبمبادرة من السيدة سرحان، رئيسة قسم اللغة العربية، نظّمت المدرسة فعاليةً ثقافيةً متميزة جمعت بين السينما والتربية والهوية الوطنية.

اختارت المدرسة بهذه المناسبة عرض فيلم مغربي حمل عنوان “الهاربون من تندوف”، من إخراج السيد عبد الحق نجيب، وبمشاركة الدكتورة إيمان قنديلي، الطبيبة النفسية والمنتجة المشاركة للفيلم. وقد صدر هذا العمل السينمائي في نوفمبر 2024 تزامنًا مع الاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء، ليقدّم رؤيةً إنسانيةً عميقة عن معاناة الأسرى المغاربة في مخيمات تندوف، وقصتهم في رحلة الهروب عبر الصحراء بحثًا عن الحرية وعودةً إلى الوطن الأم.

في حضور تلاميذ المدرسة وأطرها التربوية، قدّم المخرج والمنتجة شهادتهما حول ظروف إنجاز هذا العمل الذي تطلّب شجاعةً فنيةً وإنسانيةً كبيرة. وأكد عبد الحق نجيب أن الفيلم ليس عن الحرب بقدر ما هو عن الحرية، وعن الضوء الذي يحمله الإنسان في داخله رغم الظلام من حوله. أما الدكتورة إيمان قنديلي فقد أبرزت البعد النفسي والإنساني للفيلم بقولها: “الهاربون من تندوف فيلمٌ عن إعادة بناء الذات، عن الشفاء النفسي بعد الأسر، وعن الإيمان بأن حب الوطن أقوى من كل الجراح.”
يحكي الفيلم قصة خمسة مغاربة – ثلاثة رجال وامرأتان – قرروا الفرار من الأسر بعد سنواتٍ طويلة من المعاناة. وقد جسّد الممثلون رحلتهم المؤلمة بين رمال الصحراء في تصويرٍ واقعيٍّ قاسٍ مليءٍ بالتحديات. الصحراء في هذا العمل ليست مجرد خلفية، بل هي كائنٌ حيٌّ يحاكم ويطهّر ويحرّر. لا موسيقى صاخبة، ولا حوارات مطوّلة، فقط الصمت المعبّر الذي يحوّله نجيب إلى لغةٍ روحيةٍ عن الحرية والكرامة.
وقد أثار اللقاء نقاشًا ثريًا بين التلاميذ وضيوفهم، حيث طُرحت أسئلة عن رمزية المسيرة الخضراء، وعن دور السينما في حفظ الذاكرة الوطنية ونقل القيم الإنسانية. وأظهر الطلاب تفاعلًا كبيرًا مع الفيلم ومع رسالته التي تمزج بين الوطنية والبعد الإنساني العالمي.
وفي كلمته، عبّر السيد جون بيرنز عن اعتزازه بهذه المبادرة قائلاً: “نريد أن يفهم طلابنا المغرب في عمقه الإنساني، وأن يتعلموا حب هذا البلد ليس فقط من جماله، بل من تاريخه وشجاعته. اليوم، عبر هذا الفيلم، فهمنا جميعًا ما معنى الحرية.”
كما أشاد الحضور بمجهودات السيدة سرحان وفريقها في إدماج الثقافة المغربية داخل المنظومة التعليمية الدولية للمدرسة، مما يعزز قيم الحوار والتفاهم المتبادل بين الثقافات. هذه المبادرة التربوية تعكس رؤية المدرسة الأمريكية بالدار البيضاء التي تجمع بين التميّز الأكاديمي والانفتاح الثقافي، وتربط التعليم بالهوية والانتماء.

لقد شكّل هذا اللقاء مناسبةً لإحياء ذكرى المسيرة الخضراء التي أطلقها جلالة الملك الراحل الحسن الثاني يوم 6 نوفمبر 1975، كتجسيدٍ لإرادة الشعب المغربي في الدفاع عن وحدته الترابية بطريقةٍ سلميةٍ حضارية. ومن خلال الربط بين هذا الحدث التاريخي وفيلمٍ معاصر مثل الهاربون من تندوف، نجحت المدرسة في توصيل رسالةٍ واضحة مفادها أن المسيرة الخضراء ليست مجرد ذكرى، بل هي روحٌ متجددة في وجدان المغاربة، ورمزٌ للوحدة والكرامة والأمل.
لقد وُلد فيلم الهاربون من تندوف قبل الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء في أكتوبر 2025، لكنه كان سابقًا لذلك الحدث كأنه استشرفه. إنه عملٌ فنيٌّ وإنسانيٌّ يرى الحرية قبل أن تُعلن، ويجعل من السينما وسيلةً لحفظ الذاكرة ولتجديد الإيمان بالوطن.
باختيارها هذا الفيلم للاحتفال بالمسيرة الخضراء، أكدت المدرسة الأمريكية بالدار البيضاء التزامها العميق بتربية أجيالٍ واعيةٍ بتاريخها، مفتوحةٍ على العالم، فخورةٍ بانتمائها. لقد جمع هذا الحدث بين الفن والتربية، بين العاطفة والمعرفة، بين الماضي والمستقبل.
وفي الختام، يبقى هذا التكريم السينمائي للمسيرة الخضراء رسالةَ وفاءٍ وامتنانٍ لحدثٍ صنع وحدة المغرب، ورسّخ قيم السلام والوفاء والحرية، وسيظل مصدر إلهامٍ للأجيال الحاضرة والقادمة.



