التسول الموسمي في الحسيمة… وجه آخر لموسم الجود

حدث بريس : الحسيمة – فكري ولدعلي
مع بداية كل صيف، ومع عودة الجالية المغربية إلى أرض الوطن تطل على مدينة الحسيمة ظاهرة موسمية أصبحت مألوفة ومزعجة في آنٍ واحد: التسول الاحترافي.
في أحد محلات المدينة، لفت انتباهي شاب عشريني ينهمك في عدّ قطع نقدية متفرقة، حوّلها ببراعة إلى أوراق مالية. سألته عن حصيلة يومه، فأجاب بفخر: “450 درهمًا خلال عشر ساعات فقط. الجالية كريمة، خاصة النساء الريفيات، لا يبخلن حتى بالأوراق من فئة 20 يورو.”
ما بدا أنه استثناء، سرعان ما تبيّن أنه جزء من شبكة غير رسمية من المتسولين الموسميين، ممن أتقنوا “العمل” وتفننوا في مخاطبة العاطفة العامة، مستغلين حالة الكرم الموسمي التي تميز المدينة خلال هذه الفترة من السنة.
أحدهم أعرفه منذ سنوات، ينحدر من تيسة، وقد دأب على التنقل بين المدن الساحلية صيفًا، مستهدفًا الحسيمة تحديدًا، حيث “العطاء مضمون”، كما يصفها. رأيته غير ما مرة يحوّل الفكة إلى أوراق مالية تتجاوز أحيانًا ألف درهم في اليوم، قبل أن يأخذ قسطًا من الراحة في مقهى شعبي، يحتسي الشاي، ويضبط مزاجه بسيجارة ملفوفة.
أما النموذج الآخر، فهو شاب من ضواحي أزرو، لا تنقصه الثقافة ولا اللباقة، يتحدث بذكاء، ويملك أوراق إقامة بإسبانيا، حيث يستفيد من مساعدات اجتماعية. يفضل قضاء عطلة الصيف في “التسول الذكي” بشوارع الحسيمة، ويقول بلا مواربة: “هذا العام استثنائي. عدد المتسولين تضاعف، والجالية تمنح بسخاء، خاصة النساء.”
هذه الشهادات لا تعكس فقط ممارسات فردية، بل تفضح فشلًا مؤسسيًا في التعاطي مع الظاهرة.
فالتسول لم يعد مجرد فعل ارتجالي ناتج عن الحاجة، بل تحوّل إلى “نشاط موسمي مربح” تمارسه فئات بعينها، بعضها لا تخفي علاقتها بالمدن الداخلية أو حتى خارج الوطن، في ظل غياب الرقابة، وضعف التنسيق بين الجهات المسؤولة.
وتُطرح هنا تساؤلات ملحة:
لماذا تُترك الساحات والشوارع ليتحوّل بعضها إلى فضاءات مفتوحة للتسول؟
أين دور السلطة المحلية في ضبط المشهد العام؟
وهل يليق بمدينة سياحية كالحسيمة أن يُطبع فيها هذا الواقع الهجين؟
قد تكون بعض الحالات نابعة من فقر حقيقي، لكن من المؤسف أن الغالب بات يتعامل مع التسول كحرفة، ويستغل عاطفة الكرم والنية الحسنة للمغاربة، دون حسيب أو رقيب.
لقد آثرت عدم نشر صور هؤلاء الأشخاص، احترامًا للكرامة الإنسانية التي أهدروها طوعًا، واحترامًا للقانون الذي للأسف، لا يجد من يفعّله في مثل هذه الحالات.
ويبقى المؤلم في هذا المشهد، أن الحسيمة – مدينة الكرم والجمال – تُستغل سنويًا من طرف فئة باتت تعتبر التسول “موسمًا اقتصاديًا” أكثر من كونه أزمة اجتماعية.