عدالة

اختناق عاملات بوحدة “كابلاج” بالقنيطرة: السلامة المهنية في قفص الاتهام

شهدت المنطقة الصناعية بالقنيطرة، مساء الإثنين، حادثة اختناق جماعي طالت عشرات العاملات داخل وحدة صناعية متخصصة في صناعة الكابلاج. وقد جرى نقل المصابات بشكل عاجل إلى مستشفى الزموري بالمدينة، حيث أفادت مصادر طبية باستقرار حالتهن، دون تسجيل وفيات.

لكن خلف هذا “الاستقرار” الصحي، يبرز خلل أكثر عمقاً في بنية السلامة المهنية داخل عدد من الوحدات الصناعية بالمغرب، ما يطرح مجددًا تساؤلات ملحة حول ظروف العمل، وتقصير الجهات الوصية في الرقابة والتفتيش.

بيئة هشّة ومعاناة صامتة

مصادر من عين المكان أفادت أن الحادثة ناتجة عن نقص التهوية داخل فضاء العمل، في مصنع يعتمد بشكل كبير على اليد العاملة النسائية. شهادات عاملات سابقات بالمصنع ذاته، أشارت إلى وجود ضغط متواصل، ضعف في الأجور، وساعات عمل طويلة، في ظل افتقار بيئة العمل لأبسط شروط السلامة.

وتُتهم بعض وحدات صناعة الكابلاج، التي تنشط أساسًا في التصدير، بالتهاون في صيانة معداتها وضمان ظروف العمل الآدمي، خصوصًا أن أغلب العاملات يعانين من هشاشة اقتصادية تجعلهن عرضة للاستغلال.

أين هي مفتشية الشغل؟

رغم تدخل السلطات وفتح تحقيق في الواقعة، يظل السؤال المشروع: أين كانت مفتشية الشغل قبل وقوع الحادث؟ وهل تخضع هذه المصانع لمراقبة دورية فعلية أم أن الحضور الرسمي لا يُسجّل إلا بعد وقوع الكوارث؟

غياب التصريحات الرسمية من وزارات الإدماج الاقتصادي، الصحة، أو التضامن والأسرة، يزيد من الإحساس بالتجاهل المؤسسي لمعاناة فئة واسعة من النساء العاملات، اللواتي يواجهن ظروفًا غير إنسانية تحت غطاء “الإنتاجية”.

بين شعارات التمكين وواقع الاستغلال

الحادثة أعادت إلى الواجهة التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي حول التمكين الاقتصادي للنساء، والواقع الفعلي داخل بعض الوحدات الصناعية التي تحوّلت إلى فضاءات للاستنزاف الجسدي والنفسي بدل أن تكون منصات للكرامة والعيش الكريم.

ويرى متابعون أن ما وقع بالقنيطرة يجب ألا يُختزل في مجرد “واقعة عرضية”، بل يُفترض أن يشكل جرس إنذار حقيقي لإعادة النظر في قوانين الشغل، نظام التفتيش، وآليات حماية العمال، وخاصة النساء.

ضرورة التحرك العاجل

في انتظار نتائج التحقيق، تتعالى الدعوات من منظمات حقوقية ونقابية إلى:

  • تفعيل خلايا أزمة لدعم العاملات المتضررات نفسيًا واجتماعيًا؛
  • مراجعة منظومة السلامة داخل المصانع؛
  • ضمان احترام شروط العمل المنصوص عليها قانونًا؛
  • وتحميل المسؤوليات للمقصرين، سواء من القطاع الخاص أو المؤسسات الرقابية.

فإما أن تتحول هذه المصانع إلى فضاءات للتمكين والتنمية الفعلية، أو تظل سجونا اقتصادية في لباس إنتاجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى