ابراهيم ادريسي يكتب …محمد بشاري: نموذج القيادة الفكرية العالمية لأبناء وجدة و جهة الشرق

في إطار تكريم الكفاءات الجهوية المغربية
وفي زمن يحتاج فيه العالم الإسلامي إلى أصوات متزنة، متبصّرة، وذات رؤية استشرافية، يُعد الدكتور محمد بشاري أحد أبرز الوجوه التي جمعت بين العمق العلمي والانخراط المؤسسي الفاعل على المستوى الدولي. وتقديرًا للطاقات الفكرية والمهنية التي أنجبتها مدينة وجدة وجهة الشرق المغربية، يأتي هذا المقال تسليطًا للضوء على أحد رموزها البارزين، ممن رفعوا راية المغرب عاليًا في ساحات الحوار الحضاري والعمل الإسلامي المؤسسي.
نشأة وتكوين علمي رصين
وُلد الدكتور محمد بشاري سنة 1967 بمدينة وجدة، في بيئة علمية وثقافية مشبعة بروح الانفتاح والتعدد. اختار منذ بداياته أن يُسهم في خدمة الفكر الإسلامي من خلال مسار أكاديمي عميق، تُوّج بالحصول على دكتوراه في الفقه وأصوله، ما شكّل له قاعدة معرفية مكّنته من خوض غمار العمل المؤسسي والدعوي والفكري، على مستوى العالم الإسلامي والغربي.
مسار مؤسسي متنوع وحضور دولي لافت
شغل الدكتور بشاري عددًا من المناصب البارزة، محليًا ودوليًا، مكرّسًا خبرته لخدمة قضايا المسلمين، لا سيما في السياقات الغربية، مع التركيز على قضايا الهوية، والاندماج، والتجديد الديني، والتعايش الحضاري.
أبرز المناصب التي شغلها:
رئيس الفدرالية العامة لمسلمي فرنسا (FNMF) بين 1995 و2019.
نائب رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) بين 2003 و2006.
أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي (IEC) منذ تأسيسه سنة 2001.
عميد معهد ابن سينا للعلوم الإنسانية بفرنسا منذ 2006.
عضو لجنة تنسيق العمل الإسلامي المشترك في منظمة التعاون الإسلامي.
عضو فريق العمل الخاص ببرنامج العمل العشري في نفس المنظمة.
هذا المسار الميداني يُظهر قدرته على العمل في بيئات معقدة متعددة الثقافات، سواء داخل المجتمعات المسلمة أو في علاقتها مع الحكومات الغربية.
مسؤولياته الحالية: ريادة على أكثر من واجهة
يشغل الدكتور محمد بشاري حاليًا مناصب دولية مرموقة، تؤهله ليكون أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في صياغة توجهات الفكر الإسلامي المعاصر:
أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة – أبو ظبي، الإمارات.
نائب رئيس رابطة الجامعات الإسلامية – مصر.
عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي – جدة.
عضو المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي – السعودية.
عضو مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي – الأردن.
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية – مصر.
عضو منتدى أبوظبي للسلم.
عضو المكتب التنفيذي لدور وهيئات الإفتاء في العالم – مصر.
بالإضافة إلى كونه كاتبًا منتظمًا في جريدة الاتحاد الإماراتية، حيث يقدّم مقالات فكرية تحليلية رصينة في قضايا التجديد الديني والتعايش والهوية.
جوائز وتقديرات دولية
اعترافًا بمكانته وتأثيره، حاز الدكتور محمد بشاري على عدة أوسمة دولية رفيعة:
وسام الملك عبد الله الثاني ابن الحسين للتميز – الدرجة الأولى – المملكة الأردنية.
وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى – جمهورية مصر العربية.
وسام الدبلوماسية العامة – مجلس رئاسة الغرفة الاجتماعية الدولية، روسيا.
كما اختير من ضمن 50 شخصية إسلامية الأكثر تأثيرًا في العالم، وهو تكريم يعكس عمق حضوره العالمي في الساحة الفكرية والدينية.
تحليل الحضور والتمثيل المغربي
ما يُميّز الدكتور بشاري، ليس فقط تعدد المناصب، بل نوعية مساهماته التي تجمع بين:
البُعد المغربي الأصيل، المستمد من تربية علمية عريقة في وجدة، بثقافتها الأندلسية والصوفية والفقهية.
والبُعد العالمي، من خلال قدرته على التأثير في السياسات الفكرية والدينية للمؤسسات الدولية.
لقد استطاع أن يحمل قضايا المسلمين في المهجر، لا كضحية، بل كفاعلٍ مؤسسٍ ومجتهد، متجاوزًا الخطابات التقليدية إلى خطاب التجديد والمقاصد والتعايش. كما مثّل المغرب – والمجال الجهوي الشرقي خصوصًا – بطريقة راقية تعكس النضج الثقافي والفكري لجهة غالبًا ما ظُلمت إعلاميًا.
خاتمة: تكريم يُشرف الجميع
تكريم الدكتور محمد بشاري ليس مجرد احتفاء بفرد، بل هو تكريم لمنظومةٍ من القيم تمثلها مدينة وجدة وجهة الشرق المغربي: العلم، الاعتدال، الانفتاح، والالتزام بخدمة الإنسانية.
إن حضوره في المشهد العالمي، عبر مؤسسات كبرى ومبادرات فكرية رائدة، يمنح المغرب عمقًا حضاريًا جديدًا، ويثبت أن الأصالة المغربية قادرة على التفاعل الذكي مع قضايا العصر، من قلب العواصم الفكرية والدينية الكبرى.