ابراهيم ادريسي يكتب… حل الأمانة الإقليمية للبام بوجدة: نهاية مرحلة وبداية تجديد واعد

أقدمت الأمانة الجهوية لحزب الأصالة والمعاصرة بجهة الشرق على حل الأمانة الإقليمية للحزب بوجدة، في خطوة أثارت الكثير من الجدل، خاصة أنها جاءت في وقت يعرف فيه الحزب غيابًا لعدد من قياداته البارزة، وعلى رأسهم عبد النبي بعيوي، الذي كان يُعتبر أحد الركائز الأساسية للحزب في الجهة.
القرار، الذي اتُخذ دون مشاورات موسعة أو إشراك حقيقي لفاعلي الحزب، يعكس حالة من الارتباك التنظيمي في غياب “حكماء الحزب”، الذين كان من المفترض أن يلعبوا دور التوازن والحكمة في مثل هذه اللحظات الحساسة. فبدل أن يكون هذا القرار فرصة لإعادة البناء، يبدو أنه زاد من تعميق الخلافات الداخلية وخلق حالة من الإحباط وسط القواعد الحزبية.
ما يحتاجه الحزب في هذه المرحلة ليس مزيدًا من التفكيك، بل توحيد الصفوف، وفتح قنوات الحوار، والعودة إلى منطق التوافق والاستشارة. فالمصلحة الحزبية لن تُخدم بقرارات فوقية، بل برؤية سياسية ناضجة تُعيد الثقة وتؤسس لانطلاقة جديدة في الجهة الشرقية.
بعيوي… نهاية مرحلة لا نهاية لمسار
لا يمكن مقاربة قرار حل الأمانة الإقليمية دون التوقف عند دور عبد النبي بعيوي، الذي ارتبط اسمه لسنوات بالتحكم في مفاصل الحزب جهوياً وتنظيمياً. لقد قاد بعيوي تجربة تدبيرية ناجحة، وتمكن من ترسيخ مكانة الحزب داخل مجلس الجهة، كما ساهم في توسع حضوره على المستوى الإقليمي.
ومع اعتقاله، ظن كثيرون أن الحزب سينهار أو سيتراجع نفوذه بشكل كبير، لكن ما حدث كان عكس ذلك. فقد واصل الحزب حضوره السياسي، وبرزت قيادات جديدة تولّت المسؤولية بكفاءة، ما يؤكد أن البام لم يكن رهينة لأفراد، بل حزب مؤسسات وقواعد صلبة.
هذا التحول أكد نضج التجربة التنظيمية للحزب بجهة الشرق، وقدرته على تجاوز اللحظات الحرجة دون خسارة تموقعه داخل المشهد السياسي.
خديجة الدويري… مرشحة فوق العادة واستراتيجية تفاوض ناجحة
وسط هذا السياق المعقد، سطع اسم خديجة الدويري كوجه سياسي وتنظيمي بارز، استطاع أن يملأ الفراغ القيادي بكفاءة عالية. فبصفتها المنسقة الإقليمية للحزب، أدارت مفاوضات تشكيل رئاسة مجلس جهة الشرق بعد مغادرة بعيوي، وتمكنت من فرض موقع الحزب وحماية حقه المشروع في رئاسة الجهة.
لقد خاضت الدويري مفاوضات معقدة، وفي ظل ظروف سياسية دقيقة، ونجحت في تأمين رئاسة المجلس لصالح حزب الأصالة والمعاصرة من خلال دعمها القوي لترشيح محمد بوعرورو، وهو ما اعتُبر لحظة حاسمة أعادت فيها تثبيت موقع الحزب داخل المؤسسات المنتخبة.
هذا النجاح يُحسب لها كقائدة سياسية، خصوصاً أنها دافعت عن الحزب بحزم، واشتغلت بهدوء، وتمسكت بحقوق التنظيم داخل الجهة دون مجاملة أو تراجع.
إلى جانب ذلك، بصفتها رئيسة لجنة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمجلس جهة الشرق، أشرفت على إطلاق مشاريع رائدة في الاقتصاد التضامني ودعم التعاونيات، مما جعل من جهة الشرق نموذجًا وطنيًا في هذا المجال التنموي.
ولأن لكل مرحلة رموزها، تتجه الأنظار بقوة نحو الدويري كـ مرشحة فوق العادة لقيادة اللائحة الجهوية للحزب في الانتخابات البرلمانية المقبلة، لما تملكه من رصيد سياسي وميداني كبير، وقدرة على خوض المعارك الانتخابية بنفس تجديدي وواقعي.
الحزب بوجدة… بين التحدي والفرصة
قرار حل الأمانة الإقليمية يجب فهمه ضمن سياق إعادة البناء والتأهيل وليس كإعلان ضعف. فالحزب بوجدة ما يزال يملك قاعدة حزبية صلبة، ومناضلين متمرسين، واحتراماً واسعاً لقرارات الأمانة العامة، التي تقود ورشاً وطنياً لإعادة الاعتبار للعمل السياسي النزيه والمسؤول.
الحقيقة التي لا يجب أن تغيب عن خصوم الحزب هي أن البام بصحة تنظيمية وسياسية جيدة، وأن كل ما يُروّج عن نهايته ما هو إلا تفكير رغائبي لا يستند إلى الواقع. ما يحدث اليوم هو مجرد سحابة صيف تنظيمية سرعان ما ستنقشع.
المؤتمر الاستثنائي… اختبار للجيل الجديد
المؤتمر الاستثنائي المرتقب لن يكون فقط مناسبة لإعادة هيكلة الأمانة الإقليمية، بل اختباراً حقيقياً لقدرة الحزب على الانفتاح، وطيّ صفحة الانقسامات، وخلق دينامية جديدة. الرهان المطروح أمام القيادة الجهوية هو بناء تنظيم أكثر انفتاحاً، أكثر نجاعة، وأكثر قرباً من المواطنين.
“منسق اقليمي جديد، متجدد، قائد من الرواد سينسق بعد توليه منصب منسق اقليمي للحزب مع رئيس مجلس جهة الشرق عضو المكتب السياسي للحزب محمد بوعرورو . ”
نحو استحقاقات حاسمة… حزب جاهز للمنافسة
حزب الأصالة والمعاصرة لا يُعيد ترتيب بيته الداخلي من أجل التنظيم فحسب، بل لأنه يستعد بقوة للعب أدوار سياسية كبيرة في الاستحقاقات المقبلة، سواء على المستوى الجهوي أو الوطني.
الرؤية واضحة: الحزب يؤمن بضرورة تقديم نخب وكفاءات قادرة على التسيير، والمنافسة على مراكز القرار، بما في ذلك رئاسة الحكومة. وما يجري في وجدة وجهة الشرق هو جزء من هذه الاستراتيجية الشاملة للتجديد والانبعاث السياسي.
الخلاصة: تجديد لا تصفية، عبور لا انكسار
ما بين طيّ صفحة بعيوي بموضوعية، وبروز أسماء وازنة مثل خديجة الدويري، يتبلور داخل حزب الأصالة والمعاصرة مشهد سياسي جديد قائم على المسؤولية، والتوازن، والكفاءة. الحزب لا ينهار، بل يُعيد ترتيب صفوفه، ويستعد لمرحلة سياسية بمقومات جديدة.
وإذا كان البعض يراهن على تراجع الحزب، فإن الأحداث تثبت أن البام لا يُراهن على الأفراد، بل على المؤسسات والمناضلين الحقيقيين. وهذا هو سر بقائه… واستمراره.



