دوليات

في مثل هذا اليوم.. استسلام الجزائر وانتصر المغرب في حرب الرمال بفضل فعالية “كماشة الجنرال بنعمر

إبراهيم ادريسي

 

في مثل هذا اليوم، الخامس من نوفمبر من عام 1963، انتهت حرب الرمال بإعلان وقف إطلاق النار، لتختم صفحةً عسكريةً قصيرةً زمنيًا بالغة التعقيد دروسًا وعبرًا، سطّر خلالها الجيش المغربي انتصارًا تاريخيًا، بفضل فعالية الخطة العسكرية البارعة “كماشة الجنرال بنعمر” رحمه الله، التي أرغمت القوات الجزائرية على التراجع والاستسلام، وسجلت براعة عسكرية مغربية خالصة.

 

الخلفية: جذور الصراع ونشوب الحرب

 

لم تكن “حرب الرمال” التي اندلعت في أكتوبر 1963 وليدة لحظة، بل كانت نتيجة طبيعية لخلاف حدودي متجذر. فبعد استقلال الجزائر في عام 1962، سارعت الحكومة الجزائرية الجديدة إلى التراجع عن اتفاقيات ترسيم الحدود، مدعية بأنها “إرث استعماري”. وكانت منطقة “تندوف” و”حاسي بيضة” الثرية بالثروات الطبيعية هي عصب النزاع، ما دفع الجيش الجزائري إلى شن هجمات على القوات المغربية في المناطق المتنازع عليها، فكان أن اندلعت شرارة الحرب.

 

الاستراتيجية العبقرية: “كماشة الجنرال بنعمر” رحمه الله التي حسمت المعركة

 

في ساحة المعركة، برز العقل الاستراتيجي المغربي بقيادة الجنرال إدريس بنعمر رحمه الله بشكل لافت. حيث قاد واحدة من أبرع الخطط الحربية في تاريخ الصراعات العربية-الإفريقية، وهي الخطة التي أصبحت تُعرف لاحقًا باسم “كماشة بنعمر” أو “التطويق المزدوج”.

 

لقد قام الجنرال بنعمر رحمه الله بتقسيم قواته إلى قسمين رئيسيين:

 

· جيش المقدمة: مهمته التقدم المباشر والاشتباك مع القوات الجزائرية بشكل أمامي، وجذبها إلى عمق ساحة المعركة.

· جيش المؤخرة: مهمته التحرك بشكل متزامن ومحكم على الأجناب، لتطويق الجيش الجزائري من الخلف.

 

وبهذه الخطة الذكية، نجح الجيش المغربي في وضع الجيش الجزائري وسط كماشة حديدية، بين فكي الجيش المغربي من الأمام والخلف. لم يكن أمام القوات الجزائرية سوى خيارين أحلاهما مر: إما الاستسلام، أو محاولة اختراق الحصار التي كانت ستكبدها خسائر فادحة. كانت فعالية كماشة الجنرال بنعمر رحمه الله الضربة القاضية التي شلت قدرة الجيش الجزائري على المناورة وحسمت المعركة لصالح المغرب، وبلغت ذروتها بتقدم ساحق للقوات المغربية وسيطرة كاملة على مسرح العمليات.

 

حكمة الحسن الثاني.. حين قاد النصر إلى مائدة السلام

 

على الرغم من الحسم العسكري الباهر الذي حققته فعالية كماشة الجنرال بنعمر رحمه الله، إلا أن صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، أبدى حكمة قائد دولة يعي تداعيات التاريخ وأبعاد الجغرافيا. فلم يدفع بالانتصار العسكري إلى مداه الأقصى، مفضلاً الجنوح للسلم على إطالة أمد المواجهة بين شعبين جارين وشقيقين.

 

لقد استجاب جلالته، بتقدير كبير، لتدخلات إخوته ملوك ورؤساء العالم العربي، الذين حَذَروا من استمرار النزاع. كما انصاع لنداءات أصدقاء المغرب من القادة العالميين الذين قدّروا هذه الخطوة الحكيمة. لقد فهم الملك الحسن الثاني أن النصر الحقيقي لا يُقاس فقط بالانتصارات الميدانية، بل بالقدرة على تحويلها إلى فرصة للسلام والاستقرار الإقليمي.

 

خلاصة تاريخية: دروس لا تُنسى

 

في الخامس من نوفمبر 1963، تم الإعلان رسميًا عن وقف إطلاق النار، منهيًا بذلك حربًا كانت شهادة على البطولة والاحترافية العسكرية للجيش المغربي، وعلى براعة مخططه الجنرال إدريس بنعمر رحمه الله. هذه الذكرى تبقى شاهدة على أن إرادة الملك والشعب والجيش المغربي، عندما تلتقي، فإنها تصنع تاريخًا من الانتصارات.

 

فهي تذكرنا بأن:

 

· الجيش المغربي كان وسيبقى درعًا واقيًا للوطن ووحدة أراضيه.

· الشرعية التاريخية للمغرب في حدوده هي راسخة لا تقبل المساومة.

· شجاعة السلام في لحظة الانتصار هي أعلى مراتب القوة والحكمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى