مجتمع

حينما يتحول العمل النقابي إلى أداة لتصفية الحسابات الشخصية وخدمة المصالح الضيقة

حدث بريس : متابعة

يحزّ في النفس ما آل إليه قطاع الشباب من تراجع وتفكك، لا سيما في ظل سطوة من يُفترض أنهم “شركاء” للوزارة في تدبير شؤونه، بينما هم في الحقيقة يدفعون الإدارة لاتخاذ قرارات إرضائية هدفها الوحيد كسب ولائهم لا غير. ولئن كنا لا نرغب في الخوض في تفاصيل جميع هؤلاء الشركاء، فالعيب فيهم بيّن، والتغاضي عنه ثمنه تصفيقهم الأجوف لكل ما يصدر عن الإدارة. إلا أن ما يستوجب الوقوف عنده، هو سلوك بعض النقابيين ممن اعتلوا صدارة المشهد القطاعي مستفيدين من تضحيات المناضلين الحقيقيين في الانتخابات المهنية الأخيرة.

لقد أتاح لهم هذا الموقع المتميز مقاعد داخل ما يسمى بالحوار الاجتماعي القطاعي، غير أن هذا الفضاء الترافعي تحوّل للأسف إلى وسيلة لخدمة أجنداتهم الشخصية، بدل أن يكون ساحة للدفاع عن حقوق الشغيلة ومطالبها. فهؤلاء استغلوا صفة “الكاتب الوطني”، رغم طابعها غير القانوني، لتكريس وضعهم داخل القطاع، فصاروا يترافعون فقط من أجل تعيين المقربين، وتسهيل توظيف بناتهم، وضمان مواقع المسؤولية لمن يدين لهم بالولاء، مقابل تهميش الكفاءات الحقيقية وإقصاء الأصوات الحرة.

ولعل ما يثير الاستغراب أكثر هو تواطؤهم في تعيين الأتباع داخل برامج وطنية مهمة كبرنامج التخييم، وإذلال مناضلين أكفاء بإلحاقهم بمواقع لا تليق بمسارهم المهني، ناهيك عن تموقعهم المريب داخل إحدى مديريات القطاع، مما يتيح لهم التحكم في الاعتمادات والميزانيات، وتوزيعها حسب معيار الولاء لا الاستحقاق.

هذا الانحدار في الممارسة النقابية، وتحوّل النقابة العتيدة إلى أداة بيد أشخاص يلهثون خلف مصالحهم الشخصية، جعل بعض مسؤولي الإدارة يتجاوبون مع منطق “التطبيل” بدلاً من احترام الكفاءة والاستحقاق. ولم يعد مستغربًا أن يُقدّم هؤلاء شيكًا على بياض للإدارة، مقابل الترويج لفكرة زائفة مفادها أن زمام النقابة بيدهم، متناسين أن شرعيتهم مطعون فيها أمام القضاء المغربي، ولم يُحسم بعد في مصيرهم التنظيمي.

إن ما يعيشه العمل النقابي داخل القطاع اليوم هو نتيجة مباشرة لهيمنة فئة ضيقة الأفق، تحصر مصالحها في نطاق جغرافي لا يتعدى خطوات عن مقر الوزارة، بينما يُترك باقي المناضلين الشرفاء في مختلف ربوع المملكة في متاهة الحيرة، رغم ما قدموه من تضحيات لرفع مكانة النقابة وتحقيق مكاسب غير مسبوقة.

إن هذا اللهاث المحموم خلف المكاسب الشخصية، واستعجال الاستفادة من المواقع قبل فوات الأوان، يعكس قناعة هؤلاء بأن الاستحقاقات المقبلة لن تمنحهم ذات الشرعية التي يتكئون عليها اليوم، وهو ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر حول مصير العمل النقابي الذي انحرف عن غايته النبيلة، وتحول في يد البعض إلى أداة لبيع المواقف وتبادل المصالح على حساب كرامة الموظف وحقوقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى