وجهات نظر

ابراهيم ادريسي يكتب … الحسين الوردي: رجل دولة بصم قطاع الصحة بإصلاحات جريئة في زمن الأزمات

في إطار تسليط الضوء على رموز الكفاءة والوطنية بجهة الشرق، نستحضر تجربة فريدة لرجل اجتمع فيه الطبيب، السياسي، والميداني الغيور على وطنه: الدكتور الحسين الوردي، وزير الصحة الأسبق، الذي ترك بصمته واضحة في قطاع ظل لسنوات يعاني من اختلالات مزمنة وهيكلية، لا على مستوى البنيات التحتية فقط، بل أيضًا في منطق الحكامة وطرق التدبير.

ولد الحسين الوردي بدوار إشملالن بجماعة ميضار، بإقليم الدريوش، وعاش طفولة قاسية في منطقة تيماء وسط ظروف الفقر والعوز، لكنه استطاع، بقوة شخصيته وطموحه، أن يشق طريقه نحو التميز، متحديًا كل العراقيل الاجتماعية والاقتصادية. هذه التجربة الحياتية شكلت العمق الإنساني لنظرته الاجتماعية خلال مساره السياسي والطبي.

من الميدان إلى الوزارة.. مسار مهني متكامل

قبل تقلده مسؤولية وزارة الصحة في حكومة 2012، كان الحسين الوردي معروفًا بكفاءته الطبية كأخصائي في التخدير والإنعاش وطب المستعجلات والكوارث، ورئيسًا لمصلحة الاستقبال بمستعجلات مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، كما شغل منصب رئيس لجنة الإشراف على المستعجلات بولاية الدار البيضاء الكبرى.

إلى جانب ذلك، ساهم بشكل فعّال في التكوين الطبي، حيث شغل مهام مدير التكوين في طب المستعجلات والكوارث، وراكم تجربة دولية بصفته خبيرًا لدى منظمة الصحة العالمية، وعضوًا في عدد من الهيئات الوطنية والدولية المختصة.

الإصلاح من الداخل.. سياسة جراحية في قطاع معقد

حين تقلد حقيبة وزارة الصحة، وجد الوردي نفسه أمام قطاع يعاني من تراكمات لعقود: ضعف البنيات، نقص في الموارد البشرية، انتشار الريع والزبونية في التسيير، واحتقان اجتماعي دائم. إلا أن الرجل لم يختر لغة الخشب أو التبرير، بل باشر عمليات “جراحية” حقيقية، تمثلت في:

  • مكافحة مافيات الأدوية والمستلزمات الطبية، وكسر الاحتكارات التي راكمت أرباحًا على حساب صحة المواطنين؛
  • إعادة تنظيم المستعجلات وتحديث تجهيزاتها؛
  • تقوية الحضور الميداني للوزارة، والإنصات المباشر لنبض الشارع الصحي؛
  • إطلاق مشاريع للقرب وتحسين الولوج للخدمات الأساسية، خصوصًا في المناطق النائية.

غير أن جرأته في اتخاذ قرارات غير شعبوية، جعلته في مواجهة مع لوبيات المصالح داخل القطاع الصحي، وأحيانًا مع بعض الأطر نفسها، وهو ما بلغ ذروته مع مقترح الخدمة الإجبارية للأطباء، الذي واجه معارضة شرسة من طلبة الطب، بدعوى مساسه بالاختيار الحر ومخالفة المواثيق الدولية، رغم أن نية المشروع كانت تروم سد الخصاص المهول في عدد من المناطق.

الوردي.. إصلاحي أزعج الريع فتمت محاربته

انتماؤه لحزب التقدم والاشتراكية، وتكوينه الأكاديمي الصارم، وشخصيته الحازمة، كلها عناصر جعلت من الوردي رجلًا إصلاحيًا يؤمن بأن قطاع الصحة لا يُدار بالمكاتب المكيفة، بل بالميدان والتشخيص الواقعي للأعطاب. لكن، كما جرت العادة في تجارب الإصلاح العميق بالمغرب، فإن كل من يحاول كسر منظومات الريع يجد نفسه في مواجهة “ماكينات المقاومة”، وهو ما حصل مع الحسين الوردي الذي تعرض لحملات ممنهجة بلغت حد الإطاحة به من منصبه، رغم الإشادة الواسعة التي حظي بها من شرائح واسعة من المواطنين.

خسارة كفاءة وطنية في لحظة حرجة

يُجمع العديد من المتتبعين اليوم أن إبعاد الحسين الوردي كان خسارة لقطاع كان في أمس الحاجة إلى نفس إصلاحي واضح المعالم، وتصور مبني على المهنية والواقعية. ولو أُتيح له إتمام مساره الإصلاحي، لربما كانت أوضاع المستشفيات العمومية اليوم مختلفة، في زمن تعيش فيه المنظومة الصحية بالمغرب أزمات متتالية، بعضها بنيوي والآخر ظرفي.

خلاصة

ليس من باب التمجيد أو التقديس أن نقف عند تجربة الحسين الوردي، بل من باب الاعتراف بالكفاءات الوطنية، التي مهما اختلفنا مع قراراتها، تظل رمزًا لحسن النية، والتجند الحقيقي لخدمة الوطن من مواقع المسؤولية. ووسط الأزمات المتكررة في قطاع الصحة، يتذكر المغاربة هذا الرجل كواحد من القلائل الذين حاولوا الإصلاح بجرأة ونظافة يد، لكن الريع كان له بالمرصاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى